فرضناها متجه، ولا يظهر لقول ابن أبي هريرة اتجاه فيها إلَّا أن الأصحاب ألحقوا هذا الحكم بالعدة، فلم يفرقوا بين الصغيرة والآيسة لذلك.
وقد قيَّد ابن أبي عصرون في "الانتصار" محل الخلاف، فقال: هذا إن كانت ممن لها تسع سنين فما زاد، أما من لم تبلغ التسع، فإنها لا تَمنع مَن وَطِئها إلّا أن يُخاف منه الضرر، وهذا التقييد الذي قاله جيِّد، وهو من عنده، وليس نقلًا عن الأصحاب (١)، ولو كانت بكرًا امتنع وطؤها بلا خلاف، وإن كانت في سن لا تحبل؛ لأن الافتضاض ينقص قيمتها، كذا أطلقوه، وهو محمول على ما إذا كان الوطء يزيل البكارة، وهو الغالب فلو كانت عوراء يمكن الوطء مع بقاء البكارة، فيظهر أنه على الوجهين، ولو كانت ثيبًا في سن لا تحمل، ولكن الوطء يضر بها فيمتنع أيضًا، ولا يُجرى الوجهان، فلو خالف ما ذكرناهُ ووطئ؛ عُزِّر، ولا حد ولا مهر، ولكن عليه أرش البكارة إذا افتض.
أما أنه لا حد ولا مهر؛ فلأنه أصاب ملكه، ويخالف ما لو وطئ المكاتبة؛ حيثُ يغرم المهر لها؛ لأن المكاتبة قد استقلت، واضطرب الملكُ فيها أو زال؛ ولهذا لو وطئها أجنبي كان المهر لها، ولو وطئ المرهونة أجنبي كان المهر للسيد.
وأما وجوب أرش البكارة؛ فلأن الافتضاض إتلاف جزء، ثم إن شاء جعله رهنًا، وإن شاء صرفه إلى أداء الدين، وإذا لم يحبلها فهي رهن بحالها، وإن أولدها فسيأتي في كلام المصنف بشرحه إن شاء الله تعالى.
وحيثُ منعنا الراهن من الوطء؛ فليس له أن يقول: أطأ وأعزل؛ لأن الماء قد سبق، وهذا الكلام في الراهن، أما الزوج إذا كانت المرهونة من وجه،
(١) في هامش المخطوطة: "نقله الشيخ أبو حامد عن الأصحاب"، وذكر "لفظه في الغنية".