للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدمناه من أن الرهن أولى بالبطلان من البيع، ويقال: إن البيع مُزيل للملك الذي تعلقت به الجناية بخلاف الرهن، ويجاب بأن الرهن، وإن لم يكن مزيلًا للملك، لكنه يعتبر فيه حصول التوثقة بالمرهون، وهي فائتة في الجاني، ومن ترتيب الرهن على البيع، وكون المذهب في الجاني عمدًا جواز بيعه يعلم أن في رهنه قولين لم يصحح الرافعي والنووي منهما شيئًا، ومما اشتهر: أن ما جاز بيعه جاز رهنه يقتضي جواز رهنه، وهو ما قدمنا أنه مقتضى كلام المصنف وغيره، وهو الذي قاله الرافعي في "المحرر"؛ لأنه قال: إن رهن الجاني كبيعه ويؤيده نص الشافعي على جواز رهن القاتل (١)، وحمل بعض الأصحاب له على المحارب لا يفيد؛ لأنه إذا جاز رهن من تحتم قتله في الحرابة، فالجاني عمدًا مع احتمال العفو أولى لكن قد يقال: إن الوثيقة لا تحصل به لتوقع قتله فأشبه المعلق عتقه بصفة تحتمل أن توجد قبل البيع بل هذا أولى بالمنع؛ لأن المعلق عتقه إذا بيع بطل التعليق، وهذا إذا بيع لا يبطل حق المجني عليه؛ فلهذا أقول: الذي يترجح أن الجاني عمدًا كانت جنايته أو خطأ لا يصح رهنه، كما هو ظاهر النص، ويتأيد بما ذكرته من المعنى ويكون الجاني عمدًا مما يستثنى من قولنا ما جاز بيعه جاز رهنه، ولم يفرق أحد هنا بين رهنه بالدين الحالِّ والمؤجل، بل أطلقوا كما أطلقوا في المدبر، ولم يسلكوا به مسلك ما يسرع فساده، ومسلك المعلق عتقه، ولا شك أنه أولى بالفساد، مما يسرع فساده، حيث نقول بفساده؛ لأن هناك يُجعل ثمنه رهنًا مكانه، وهو أشبه بالمعلق عتقه؛ لكونه حقًّا لغير المرتهن، فكيف يقال بصحة رهنه، والصحيح في المعلق عتقه بصفة محتملة المنع، وإن قيل هنا: يحتمل عفو المجني عليه، فهناك أيضًا


(١) الأم (٣/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>