وقد أجمع المفسرون على أن هؤلاء المذكورين في الآية هم بنو النضير، ولم يخالف في ذلك إلا الحسن البصري فقال: هم بنو قريظة، وهو غلط، فإن بني قريظة ما حشروا، بل قتلوا بحكم سعد بن معاذ لما رضوا بحكمه، فحكم عليهم بأن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لسعد: "لقد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع أرقعة". واللام في {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} متعلقة بـ {أَخْرَجَ}، وهي لام التوقيت كقوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (الإسراء: ٧٨). وأما قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} فكان إجلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام، وأخرج البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في "البعث" عن ابن عباس، قال: من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر} قال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومئذ: "اخرجوا". قالوا: إلى أين؟ قال: "إلى أرض المحشر". وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل"، وابن عساكر، عن ابن عباس، قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، وأن يسيروا إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاء. قال الحافظ في "فتح الباري" (١١/ ٣٨٦): قوله: (باب الحشر) قال القرطبي: الحشر: الجمع، وهو أربعة: حشران في الدنيا، وحشران في الآخرة، فالذي في الدنيا: أحدهما: المذكور في سورة الحشر في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر}. والثاني: الحشر المذكور في أشراط الساعة الذي أخرجه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد، رفعه: "إن الساعة لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات. . . " فذكره، وفي حديث ابن عمر عند أحمد وأبي يعلى مرفوعًا: "تخرج نار قبل يوم القيامة من حضرموت فتسوق الناس. . . " الحديث، وفيه: فما تأمرنا؟ قال: "عليكم بالشام". وفي لفظ آخر: "ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس إلى المحشر". قلت (أي الحافظ): وفي حديث أنس في مسائل عبد اللَّه بن سلام لما أسلم: "أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". وقد قدمت الإشارة إليه في "باب طلوع الشمس من مغربها" وأنه مذكور في "بدء الخلق" وفي حديث عبد اللَّه بن عمرو عند الحاكم، رفعه: "تبعث نار على أهل المشرق فتحشرهم إلى المغرب، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، ويكون لها ما سقط منهم =