هَؤُلَاءِ عَبَدَةُ النِّيرَانِ لَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَذْكُرُونَهُ، فَلَا يَخْدَعَنَّكَ أَحَدٌ عَنْ دِينِكَ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقكُمْ. قَالُوا: أَنْتَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا، نَحْنُ نَصُومُ النَّهَارَ، وَنَقُومُ اللَّيلَ، وَنَأكُلُ عِنْدَ السَّحَرِ مَا أَصَبْنَا، وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقكُمْ. قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ وَقَدْ أَعْلَمْنَاكَ حَالَنَا، فَإِذَا أَتَيْتَ خُذْ مِقْدَارَ حِمْلٍ يَكُونُ مَعَكَ شَيءٌّ تَأكُلُهُ، فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ مَا نَسْتَطِيعُ بِحَقٍّ. قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَلَقِينَا أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُمْ يَمْشُونَ وَأَمْشِي مَعَهُمْ فَرَزَقَ اللَّهُ السَّلَامَةَ حَتَّى قَدِمْنَا الموصِلَ، فَأَتَيْنَا بَيْعَةً بِالموصِلِ، فَلَمَّا دَخَلُوا احْتَفَوا بِهِمْ، وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا عَبَدَةُ النِّيرَانَ، وَكُنَّا نَعْبُدُ اللَّهَ فَطَرَدُونَا. فَقَالُوا: مَا هَذَا الغُلَامُ؟ فَطَفَقُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ، وَقَالُوا: صَحِبَنَا مِنْ تِلْكَ البِلَادِ، فَلَمْ نَرَمِنْهُ إِلَّا خَيْرًا.
قَالَ سَلْمَانُ: فَوَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَكَذَلِكَ إِذْ طَلعَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ كَهْفِ جَبَلٍ، قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ فَحَفَوْا بِهِ وَعَظَّمُهُ أَصْحَابِي الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ وَأَحْدَقُوا بِهِ. فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا الغُلَامُ مَعَكُمْ؟ فَأَثْنَوا عَلَيَّ خَيْرًا وَأَخْبَرُوهُ باتِّبَاعِي إِيَّاهُمْ، وَلَمْ أَرَ مِثْلَ إِعْظَامَهُمْ إِيَّاهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ أَرْسَلَ مِنْ رُسُلِهِ وَأنْبِيَائِهِ وَمَا لَقُوا، وَمَا صُنعَ بِهِ، وَذَكَرَ مَوْلِدَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلِيْه السَّلام، وإِنَّهُ وُلِدَ بَغَيْرِ ذَكَرٍ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولًا، وَأَحْيَا عَلَى يَدَيْهِ الموتى، وإِنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيرِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الإِنْجِيلَ وَعَلَّمَهُ التَّوْرَاةَ، وَبَعَثَهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَفَرَ به قَوْمٌ وَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَا لَقِي عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وإِنَّهُ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ يَعِظُهُمْ وَيَقُولُ: اتَّقُوا اللَّهَ وَالزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلِيْه السَّلام، وَلَا تُخَالِفُوا فَيُخَالفُ بِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأخُذَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute