عَلَيْهِ، وَذَكَرُوا مَنْ مَضَى مِنَ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ حَتَّى خَلَصُوا إِلَى ذِكْرِ عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقَالُوا: بَعَثَ اللَّه تَعَالَى عِيسَى عَلِيْه السَّلام رَسُولًا، وَسَخَّرَ لَهُ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إِحْيَاءِ الموْتَى، وَخَلْقِ الطَّيْرِ، وَإِبْرَاءِ الأَكْمَهِ، وَالأَبْرَصِ، وَالأَعْمَى، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَتَبِعَهُ قَوْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ابْتَلَى بِهِ خَلْقَهُ. قَالَ: وَقَالُوا قَبْلَ ذَلِكَ: يَا غُلَامُ، إِنَّ لَكَ لَرَبًّا، وَإِنَّ لَكَ مَعَادًا، وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً وَنَارًا إِلَيْهَا تَصِيرُونَ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ القَوْمِ الَّذِينَ يَعْبُدونَ النَّيرَانَ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلَالَةٍ لَا يَرْضَى اللَّهُ مَا يَصْنَعُونَ، وَلَيْسُوا عَلَى دِينٍ، فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيهَا الغُلَامُ انْصَرَفَ وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ، ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ، وَلَزِمْتُهُمْ فَقَالُوا لِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّكَ غُلَامٌ، وَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَ كَمَا نَصْنَعُ فَصَلِّ وَنَمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ.
قَالَ: فَاطَّلَعَ الملِكُ عَلَى صَنِيعِ ابْنِهِ فَرَكِبَ فِي الخَيْلِ حَتَّى أَتَاهُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، قَدْ جَاوَرْتُمُونِي فَأَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَلَمْ تَرَوا مِنِّي سُوءًا فَعَمَدتُّمْ إِلَى ابْنِي فَأَفْسَدتُّمُوهُ عَلَيَّ قَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ قَدِرْتُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحْرَقْتُ عَلَيْكُمْ بِرْطِيلَكُمْ هَذَا، فَالحَقُوا بِبِلَادِكُمْ، فَإَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِنِّي إِلَيْكُمْ سُوءٌ. قَالُوا: نَعَمْ، مَا تَعَمَّدْنَا مُسَاءتَكْ، وَلَا أَرَدْنَا إِلَّا الخَيْرَ، فَكَفَّ ابْنَهُ عَنْ إِتْيَانِهُمْ. فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ اللَّهِ، وَأَنَّ أَبَاكَ وَنَحْنُ عَلَى غَيْرِ دِينٍ إِنَّمَا هُمْ عَبَدَةُ النَّارِ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَلَا تَبعْ آخِرَتَكَ بِدِينِ غَيْرِكِ. قَالَ: يَا سَلْمَانُ، هُوَ كَمَا تَقُولُ، وَإِنَّمَا أَتَخَلَّفَ عَنِ القَوْمِ بَغْيًا عَلَيْهِمْ إِنْ تَبِعْتُ القَوْمَ طَلَبَنِي أَبِي فِي الجَبَلِ، وَقَدْ خَرَجَ فِي إِتْياَنِي إِيَّاهُمْ حَتَّى طَرَدَهُمْ، وَقَدْ أَعْرِفُ أنَّ الحَقَّ فِي أَيْدِيهِمْ، فَأتَيْتُهُمْ فِي اليَوم الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا فِيهِ فَقَالُوا: يَا سَلْمَانُ، قَدْ كُنَّا نَحْذَرُ مَكَانَ مَا رَأيْتَ؛ فَاتَقِ اللَّه تَعَالَى وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّينَ مَا أَوْصَيْنَاكَ بِهِ، وَأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute