للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

٨٦٧ - قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ":

حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّي، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ قِبَلَ بَيْتِ المقْدِسِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المدِينَةَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَنْظُرُ مَا يُؤْمَرُ، وَكَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المقْدِسِ، فَنَسَخَتْهَا الكَعْبَةُ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحِبُّ أَنْ


= وقال الحافظ في "الفتح" (١/ ٥٩٩) عقب حديث البراء: وفيه كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى نحو بيت المقدس ستة عشر -أو سبعة عشر- شهرًا، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب أن يوجه إلى الكعبة.
قال الحافظ: جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري وغيره من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: لما هاجر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة، واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس، أمره اللَّه أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرا، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فنزلت.
ومن طريق مجاهد، قال: إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة؛ لأن اليهود قالوا: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا. فنزلت.
وظاهر حديث ابن عباس هذا أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة، لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه. والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر -صلى اللَّه عليه وسلم- لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس. اهـ.
فائدة: قال ابن الجوزي في "ناسخ القرآن ومنسوخه" (ص ١٧٤): واختلف العلماء في سبب اختياره "بيت المقدس" على قولين:
أحدهما: أن العرب لما كانت تحج البيت ولم تألف بيت المقدس، أحب اللَّه سبحانه وتعالى امتحانهم بغير ما ألفوه، ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} وهذا قول الزجاج.
والثاني: أنه اختاره ليتألف أهل الكتاب، قاله: أبو جعفر بن جرير الطبري.
قلت: فإذا ثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اختار بيت المقدس فقد وجب استقباله بالسنة، ثم نسخ ذلك بالقرآن، والتحقيق في هذه الآية أنها أخبرت أن الإنسان أين تولى بوجهه فثم وجه اللَّه، فيحتاج مدعي نسخها أن يقول: فيها إضمار تقديره: فولوا وجوهكم في الصلاة أين شئتم، ثم نسخ ذلك المقدر، وفي هذا بعد، والصحيح إحكامها.

<<  <   >  >>