فذكر ابن هشام في كتاب "التيجان" أن آدم لما بنى الكعبة أمره اللَّه بالسير إلى بيت المقدس، وأن يبنيه، فبناه ونسك فيه، وبناء آدم للبيت مشهور، وقد تقدم قريبًا حديث عبد اللَّه بن عمرو أن البيت رفع زمن الطوفان حتى بوأه اللَّه لإبراهيم، وروى ابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة، قال: وضع اللَّه البيت مع آدم لما هبط؛ ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فقال اللَّه له: يا آدم، إني قد أهبطت بيتًا يطاف به كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه. فخرج آدم إلى مكة -وكان قد هبط بالهند ومد له في خطوه- فأتى البيت فطاف به، وقيل: إنه لما صلى إلى الكعبة أمر بالتوجه إلى بيت المقدس، فاتخذ فيه مسجدًا، وصلى فيه ليكون قبلة لبعض ذريته، وأما ظن الخطابي أن إيلياء اسم رجل؛ ففيه نظر، بل هو اسم البلد فأضيف إليه المسجد، كما يقال: مسجد المدينة، ومسجد مكة، وقال أبو عبيد البكري في "معجم البلدان": إيليا مدينة بيت المقدس فيه ثلاث لغات: مد آخره، وقصره، وحذف الياء الأولى، قال الفرزدق: لوى ابن أبي الرقراق عينيه بعدما ... دنا من أعالي إيلياء وغورا وعلى ما قاله الخطابي يمكن الجمع بأن يقال: إنها سميت باسم بانيها كغيرها، واللَّه أعلم. فائدة: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية س: هل المسجد الأقصى حرم مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف؟ ومن الذي بناه؟ ج: أولًا: لا نعلم دليلًا يدل على أن المسجد الأقصى حرم مثل المسجد الحرام أو المسجد النبوي الشريف، نعم ثبتت شرعية شد الرحال إليه وفضل الصلاة فيه، والذي يدل على ذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى". أخرجه مالك، والبخاري، ومسلم، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، وهذا لفظ مسلم. وأما الدليل على فضل الصلاة فيه فما أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" عن جابر -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي بألف صلاة، وفي بيت المقدس خمسمئة صلاة". ثانيًا: اختلف فيمن بنى المسجد الأقصى، فقيل: نبي اللَّه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وهو أشبه، وقيل: سليمان، والصحيح أن بناء سليمان تجديد لا تأسيس؛ لأن بينه وبين إبراهيم أزمان كثيرة، أكثر =