للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الكعبة، فالعلة استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس، وقد ادعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقباله الكعبة، وفيه نظر لما ذكرناه عن إبراهيم وابن سيرين، وقد قال به بعض الشافعية أيضًا، حكاه ابن أبي الدم.
فائدة: قال الزركشي في "إعلام الساجد" (٢٩٢): يكره استقبال بيت المقدس واستدباره بالبول والغائط، ولا يحرم. قاله الشيخ محيي الدين في "الروضة" من زوائده تبعًا لغيره، ولم يتعرض له الشافعي وأكثر الأصحاب، كذا قال.
قلت: وقال الروياني في "البحر": قال أصحابنا: استقبال بيت المقدس واستدباره بالبول والغائط يكره؛ لأنه كان قبلة، ولا يحرم للنسخ. اهـ.
وقال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (١/ ١٦): أراد بالقبلتين الكعبة وبيت المقدس، وهذا يحتمل أن يكون على معنى الاحترام لبيت المقدس، إذ كان مرة قبلة لنا، ويحتمل أن يكون من أجل استدبار الكعبة؛ لأن من استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة.
قال الإمام النووي في "المجموع" (٢/ ٨٠ - ٨١): قال أصحابنا: لا يحرم استقبال بيت المقدس ببول ولا غائط ولا استدباره، لا في البناء، ولا في الصحراء. قال المتولي وغيره: ولكنه يكره، ونقل الروياني عن الأصحاب أيضًا أنه يكره؛ لكونه كان قبلة. وأما حديث معقل بن أبي معقل الأسدي -رضي اللَّه عنه-، قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يستقبل القبلتين ببول أو غائط. رواه أحمد بن حنبل، وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم، وإسناده جيد، ولم يضعفه أبو داود، فأجاب عنه أصحابنا بجوابين لمتقدمي أصحابنا: أحدهما: أنه نهى عن استقبال بيت المقدس حيث كان قبلة، ثم نهى عن الكعبة حين صارت قبلة، فجمعهما الراوي. قال صاحب "الحاوي": هذا تأويل أبي إسحاق المروزي، وأبي علي بن أبي هريرة.
والثاني: المراد بالنهي أهل المدينة؛ لأن من استقبل بيت المقدس وهو في المدينة استدبر الكعبة، وإن استدبره استقبلها، والمراد بالنهي عن استقبالهما، النهي عن استقبال الكعبة، واستدبارها. قال صاحب "الحاوي": هذا تأويل عن بعض المتقدمين، فهذان تأويلان مشهوران للأصحاب، ولكن في كل واحد منهما ضعف، والظاهر المختار أن النهي وقع في وقت واحد، وأنه عام لكلتيهما في كل مكان، ولكنه في الكعبة نهي تحريم في بعض الأحوال على ما سبق، وفي بيت المقدس نهي تنزيه، ولا يمتنع جمعهما في النهي، وان اختلف معناه، وسبب النهي عن بيت المقدس كونه كان قبلة، فبنيت له حرمة الكعبة، وقد اختار الخطابي هذا التأويل، فإن قيل: لم حملتموه في بيت المقدس على التنزيه؟ قلنا: للإجماع، فلا نعلم من يُعتد به خَرَمَهُ، واللَّه أعلم.

<<  <   >  >>