فائدة: اختلف العلماء في حكم استقبال القبلة واستدبارها. قال ابن المنذر في "الأوسط" (١/ ٣٢٥ - ٣٢٨): وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فقالت طائفة بظاهر هذه الأخبار، قالت: لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها بغائط ولا بول في البراري والمنازل، هذا قول سفيان الثوري، وقال أحمد بن حنبل: يعجبني أن يتوقى في الصحراء والبيوت، وكره مجاهد والنخعي ذلك. وحجة هذه الفرقة ظاهر هذه الأخبار التي فيها النهي عن العموم. ورخصت طائفة في استقبال القبلة واستدبارها بالغائط والبول. هذا قول عروة بن الزبير، وكان يقول: وأين أنت منها، وقد حكي هذا القول عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، واحتج بعض من يوافق هذا القول بحديث عائشة، حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج، ثنا حماد، أخبرني خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فذكروا استقبال القبلة بالفروج، فقال عراك ابن مالك، قالت عائشة: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر عنده أن ناسًا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد فعلوها؛ استقبلوا بمقعدي إلى القبلة". وبأحاديث قد ذكرنا أسانيدها في غير هذا الكتاب، وقال بعضهم: الأشياء على الإباحة، وجاءت الأخبار في هذا الباب مختلفة، ولا يعرف ناسخها من منسوخها، فوجب إيقاف الخبرين، وحمل الأشياء على الإباحة التي كانت، لما خفي الناسخ من الخبرين. وفرقت فرقة ثالثة بين استقبال القبلة واستدبارها في الصحاري والمنازل، فنهت عن ذلك في الصحاري، ورخصت فيه في المنازل، روي هذا القول عن الشعبي، وبه قال الشافعي وإسحاق بن راهويه، وحكي عن مالك هذا المعنى. حكى ابن القاسم عن مالك أنه سئل عن استقبال القبلة للغائط: أترى البيوت مثل الصحاري؟ قال: لا، ولا أرى في البيوت شيئًا. وحكى عنه ابن وهب أنه قال في البيوت: أحب عندي، واحتج بعض من قال بهذا القول في النهي عن ذلك في الصحاري بخبر أبي أيوب، واحتج في الرخصة في ذلك في المنازل بحديث ابن عمر، حدثنا إبراهيم ابن عبد اللَّه، أنا يزيد بن هارون، أنا يحيى، أن محمد بن يحيى، أخبره أن عمه واسع بن حبان أخبره، عن عبد اللَّه بن عمر قال: "ويقول ناس: إذا قعدت للغائط فلا تستقبل القبلة، ولا بيت المقدس. قال عبد اللَّه بن عمر: لقد ظهرت يومًا على ظهر بيت فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالسًا على لبنتين مستقبل بيت المقدس". ودفع أبو ثور حديث عائشة بأن قال: خالد بن أبي الصلت ليس بمعروف. وقال أحمد بن حنبل: أما من ذهب إلى حديث عائشة، فإن مخرجه حسن. وقال غير أحمد: خالد معروف، قد روى عنه خالد الحذاء، والمبارك بن فضالة، وواصل =