للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (١٥٦). قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الفِرْيَةَ، وَاللَّهُ يَقُولُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (١٥٧). (١٥٨).


(١٥٦) النمل: ٦٧.
(١٥٧) النمل: ٦٥.
(١٥٨) "صحيح"
"صحيح مسلم" (١٧٧)، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (٦٠)، ثم قال بعد إخراجه لهذا الحديث (١/ ٢٥٩): قد يتوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن هذين الخبرين متضادان، وليسا كذلك، إذ اللَّه -جل وعلا- فضل رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- على غيره من الأنبياء، حتى كان جبريل من ربه أدنى من قاب قوسين، ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يعلمه جبريل حينئذ، فرآه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقلبه كما شاء، وخبر عائشة وتأويلها أنه لا يدركه، تريد به فى النوم ولا في اليقظة.
وقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فإنما معناه: لا تدركه الأبصار، يرى في القيامة، ولا تدركه الأبصار إذا رأته؛ لأن الإدراك هو الإحاطة، والرؤية هي النظر، واللَّه يرى ولا يدرك كنهه؛ لأن الإدراك يقع على المخلوقين، والنظر يكون من العبد ربه، وخبر عائشة أنه لا تدركه الأبصار، فإنما معناه: لا تدركه الأبصار في الدنيا وفي الآخرة، إلا من يتفضل عليه من عباده بأن يجعل أهلًا لذلك، واسم الدنيا قد يقع على الأرضين والسماوات وما بينهما؛ لأن هذه الأشياء بدايات خلقها اللَّه -جل وعلا- لتكتسب فيها الطاعات للآخرة التي بعد هذه البداية.
فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى ربه في الموضع الذي لا يطلق عليه اسم الدنيا؛ لأنه كان منه أدنى من قاب قوسين حتى يكون خبر عائشة، أنه لم يره -صلى اللَّه عليه وسلم- في الدنيا من غير أن يكون بين الخبرين تضاد أو تهاتر.
ثم قال مفسرًا لآيات سورة النجم التي جاءت في الحديث (١/ ٢٥٧): قال أبو حاتم: قد أمر اللَّه تعالى جبريل ليلة الإسراء أن يعلم محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يجب أن يعلمه كما قال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} يريد به جبريل {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} يريد به جبريل {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} يريد به جبريل {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} بجبريل {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} يريد به ربه بقلبه في ذلك الموضع الشريف، ورأى جبريل في حلة من ياقوت قد ملأ ما بين السماء والأرض على ما في خبر ابن مسعود الذي ذكرناه.

<<  <   >  >>