وَسَجَنُوهُ.
وَكَانَ قَالَ لِمَلِكِهَا: أَيُّهَا الملِكُ، إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ أَنَّ قَوْمَكَ قَدْ عَبَدَوا الْأَصْنَامَ، تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- مُعَذِّبكُمْ إِنْ لَمْ تَتَرُكُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَحُفِرَ لَهُ جُبٌّ وَصُبَّ فِيهِ الماءُ حَتَّى أَنْتَنَ وَعَادَ حَمَأَةً، فَسَجَنَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى رُكْبَتَيْه، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْعُدَ فِي أَبْرَدِ أَرْضِ اللَّهِ، فَتَكَلَّمَ فِي الجبِّ، فَقَالَ: مَلْعُون اليَوْمُ الَّذِي وُلِدتُّ فِيهِ، مَلْعُونٌ مَنْ بَشرَ وَالِدًا بِوَلَدِه. أَوْ كَمَا قَالَ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ كَانَ يُجَالِسُ الملِكَ فَقَالَ لِلْمَلِكِ: أَرَأَيْتُكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَبَسْتَهُ فِي الجبِّ مَا تُرِيدُ مِنْهُ، أَتُرِيدُ قَتْلَهُ؛ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَخْرِجْهُ إِلَى بَعْضِ سُجُونِكَ هَذِه حَتَّى تَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ، فَأَخْرَجَهُ مْنَ الجبِّ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالجبُّ فِي بَيْتِ المقْدِسِ إِلَى اليَوْمِ، ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ يُعْرَفُ بِجُبِّ أرمِيَا.
ثُمَّ إِنَّ أَرْمِيَا -عَلَيْهِ السَّلام-، قَالَ: لَا تَرُدَّنِي إلَى هَذَا الجبِّ وَافْعَلْ مَا تُرِيدُ. قَالَ: فَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ، وَكَانَ يُطْعِمُهُ كُلَّ يَوْمٍ قُرْصًا وَيُسْقِيَهُ مِنَ الماءِ؛ حَتَّى نَحَلَ جِسْمُهُ، وَطَالَ شَعرُهُ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّمْلَ، فَكَلَّمَتْهُ فِي سِجنِهِ فَقُلْنَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: لَأُخْرِجَنَّكَ مِنَ السِّجْنِ، وَلَأُنْجِينَّكَ وَلِمَقْ سَمعَ لَكَ، ثُمَّ لَأُخَرِّبَنَّ القَرْيَةَ -يَعْنِي: بَيْتَ المقْدِسِ- وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ مَلِكًا يُدْعَى بُخْتُنَصَّر سَيُحِيطُ بِالقَرْيَةِ فَيَقْتُلُ فِيهَا.
وَكَانَ أَرْمِيَا قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ أَخَذَ مِنْ بُخْتُنَصَّر أَمَانًا لِبَيْتِ المقْدِسِ وَمَنْ فِيهَا قَدِيِمًا، فَلَمَّا بَلَغَ سُهُولَ الرَّمْلَةِ وَأَعْلَمَ أَرْمِيَا بِذَلِكَ، أَخْبَرَ الملِكَ حَتَّى أَطْلَقَهُ، فَأنْزَلَ إِلَيْهِ بِالأَمَانِ فَأَنْزَلَهُ، فَوَجَدَهُ رَاكِبًا فَرَسًا، وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ عَرِيضٌ قَدْ تَرَكَهُ عَلَى عُنُقِ الفَرَسِ، وَعَلَيْهِ مَكْتُوبٌ هَذِهِ الْأَبِياتُ:
إِذَا كُنْتَ لَا تَرْجَى وَلَا أَنْتَ تَتَّقِي ... فَأَنْتَ كَالميِّتِ عَلَى نَعْشِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute