للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الحديث صحيح على غير ما ظنهُ الجهمي، وذلك أن موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- لم يبعث اللَّه إليه ملك الموت، وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختبارًا وابتلاء، كما أمر اللَّه خليله إبراهيم بذبح ابنه، ولم يُرد تعالى إمضاء الفعل ولا قتل ابنه، ففداه بذبح عظيم {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} (الصافات: ١٠٤ - ١٠٥) ولو أراد قبض روح موسى حين ألهم ملك الموت لكان ما أراد، لقوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)} (النحل: ٤٠) وكانت اللطمة مباحة عند موسى إذا رأى شخصًا في صورة آدمي قد دخل عنده لا يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الرسول فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن، رواه بشير بن نهيك، عن أبي هريرة؛ أن النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من اطلع في دار قوم بغير إذن؛ ففقأ عينه فلا دية ولا قصاص". ومحال أن يعلم موسى أنه ملك الموت ويفقأ عينه، وكذلك لا ينظره إلا بعلمه، وقد جاءت الملائكةُ خليل اللَّه إبراهيم ولم يعرفهم في الابتداء حتَّى أعلموه نهم رسل ربهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالبُشْرَى قَالُوا: سَلَامًا قَالَ: سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} (هود: ٦٩، ٧٠) ولو علم إبراهيم في الابتداء أنهم ملائكةَ اللَّه لكان من المحال أن يقدم إليهم عجلًا؛ لأن الملائكة لا تطعم، فلما وجس منهم خيفة، قالوا: لا تخف إنا أُرسلنا إلى قوم لوط، وقد أخبر اللَّه أن رسله جاءت لوطًا فسيء بهم وضاق بهم ذرعًا، ومحال أن يعلم في الابتداء أنهم رسل اللَّه ويضيق بهم ذرعًا، أو يسيء بهم، وقد جاء الملك إلى مريم فلم تعرفه، واستعاذت منه، ولو علمت مريم في الابتداء أنه ملك جاء يبشرها بغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويكون نبيًّا؛ ما استعاذت منه، وقد دخل الملكان على داود في شبه آدميين يختصمان عنده ولم يعرفهما، وإنما بعثهما اللَّه ليتعظ بدعو أحدهما على صاحبه، ويعلم أن الذي فعله لم يكن صوابًا؛ فتاب إلى اللَّه وندم، قال تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا} (ص: ٢٤)، فكيف يُستنكر ألا يعرف موسى ملك الموت حين دخل عليه؛ وقد جاء جبريلُ النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وسأله عن الإيمان والإسلام في صورة لم يعرفه النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا أحد من أصحابه، فلما ولى أخبر النَّبِيّ أنه جبريل، وقال: "ما أتاني في صورة قط إلا عرفته، غير هذه المرة". وكان يأتيه في بعض الأوقات مرة في صورة، ومرة في صورة أخرى، وأخبر -عَلَيْهِ السَّلَام- أنه لم ير جبريل في صورته التي خلق عليها إلا مرتين، وأما قول الجهمي: إن اللَّه لم يقاصص ملك الموت من اللطمة، فهو دليل على جهل قائله، ومن أخبره أن بين الملائكة وبين الآدميين قصاص؟! ومن أخبره أن ملك الموت طلب القصاص من موسى؟! فلم يقاصصه اللَّه منه، وقد أخبرنا اللَّه تعالى أن موسى قتل نفسًا، ولم يقاصص اللَّه منه لقتله، وقيل: إذا كانت اللطمة غير مباحة يكون حكمها على كل الأحوال حكم العمد؛ فيه القصاص، أو تكون في بعض الأحوال خطأ تجب فيه الدية على العاقلة، =

<<  <   >  >>