للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَيْهِ عَيْنَهُ (٥٧٤) وَقَالَ: ارْجعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ؛ فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ


(٥٧٤) اعترض بعض الملاحدة ومن كان على شاكلتهم في رد هذا الحديث لمَّا خالف عقولهم السقيمة، وقد انبرى العلماء قديمًا لدحض هذه الشبهة وبيان سقوطها.
ومن ذلك ما قاله الحافظ في "الفتح" (٦/ ٥١٠): والجواب أن اللَّه لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ؛ وإنما بعثه إليه اختبارًا، وإنما لطم موسى ملك الموت؛ لأنَّهُ رأى آدميَّا دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول، ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه، وعلى تقدير أن يكون عرفه؛ فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر؟! ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له؟! ولخص الخطابي كلام ابن خزيمة وزاد فيه: أن موسى دفعه عن نفسه لما ركب فيه من الحدة، وأن اللَّه رد عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاءه من عند اللَّه؛ فلهذا استسلم حينئذ، وقال النووي: لا يمتنع أن يأذن اللَّه لموسى في هذه اللطمة امتحانًا للملطوم، وقال غيره: إنما لطمه لأنه جاء لقبض روحه من قبل أن يخيره، لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتَّى يخير؛ فلهذا لمَّا خيره في المرة الثانية أذعن، قيل: وهذا أولى الأقوال بالصواب، وفيه نظر؛ لأنَّهُ يعود أصل السؤال، فيقال: لم أقدم ملك الموت على قبض نبي اللَّه وأخل بالشرط؛ فيعود الجواب أن ذلك وقع امتحانًا، وزعم بعضهم أن معنى قوله: فقأ عينه؛ أي أبطل حجته، وهو مردود بقوله في نفس الحديث: فرد اللَّه عينه، وبقوله: لطمه وصكه، وغير ذلك من قرائن السياق، وقال ابن قتيبة: إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل وليست عينًا حقيقة، ومعنى رد اللَّه عينه: أي أعاده إلى خلقته الحقيقية، وقيل: على ظاهره، وردَّ اللَّه إلى ملك الموت عينه البشرية؛ ليرجع إلى موسي على كمال الصورة، فيكون ذلك أقوى في اعتباره، وهذا هو المعتمد، وجوز ابن عقيل أن يكون موسى أُذن له أن يفعل ذلك بملك الموت، وأُمر ملك الموت بالصبر على ذلك، كما أُمر موسى بالصبر على ما يصنع الخضر. اهـ.
وتكلم ابن خزيمة كلامًا شافيًا على الحديث، فقال كما نقله ابن بطال في "شرح البخاري" (٣/ ٣٢٢): قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: أنكر بعض أهل البدع والجهمية هذا الحديث ودفعوه، وقالوا: لا يخلو أن يكون موسى عرف ملك الموت، أو لم يعرفه، فإن كان عرفه فقد ظلمه واستخف برسول اللَّه، ومن استخف برسول اللَّه فهو مستخف باللَّه، وإن كان لم يعرفه فرواية من روى أنه كان يأتي موسى عيانًا لا معنى لها. قال الجهمي: وزعمت الحشوية أن اللَّه لم يقاصص الملك من اللطمة وفقء العين، واللَّه تعالى لا يظلم أحدًا. قال ابن خزيمة: وهذا اعتراض من أعمى اللَّه بصيرته، ولم يبصره رشده، ومعنى =

<<  <   >  >>