للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أما عن (أولًا) وهو تفسير القرآن بالقرآن، فالأمثلة العملية في الظلال على أن صاحبه كان متبع المنهج السلفى الحق في البدء بتفسير القرآن بالقرآن إن وجد المعنى ففى تفسيره لقول فرعون: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ قال: "أما قول فرعون لقومه: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ فيفسره قوله الذي حكاه القرآن عنه: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ (١).

ثانيًا: أما عن البند الأول وهو:

البدء بما يتعلق بالألفاظ المفردة من اللغة والصرف والاشتقاق ملاحظًا المعاني التي كانت مستعملة زمن نزول القرآن الكريم. وليس أدل على ذلك من استعمالاته لكلمة الرب والإله والدين والعبادة وربط تلك الكلمات بمعانيها التي كانت تستخدم زمن نزول القرآن، ففى تفسير قول الله تعالى حكاية عن فرعون: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ فبعد أن فسره بقوله: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي … ﴾، قال: وما قصد بقوله: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ إلا أنه الحاكم المسيطر الذى يسيرهم كيف يشاء، والذي يتبعون كلمته بلا معارض!، والحاكمية على هذا النحو ألوهية كما يفيد المدلول اللغوى وهي في الواقع ألوهية، فالإله هو الذي يشرع للناس وينفذ حكمه فيهم" (٢).

"إن فرعون لم يكن يدعى الألوهية بمعنى أنه خالق هذا الكون ومدبره، وأن له سلطانًا في عالم الأسباب الكونية، وإنما كان يدعى الألوهية على شعبه المستزل! بمعنى أنه هو حاكم هذا الشعب بشريعته وقانونه، وأنَّه بإرادته وأمره تمضى الشؤون وتقضى الأمور. وهذا ما يدعيه كل حاكم يحكم بشريعته وقانونه،


(١) الظلال: ٣٢/ ١٣٥٤، نقلًا عن "في ظلال القرآن في الميزان" ص ١٦٢.
(٢) في ظلال القرآن: ٣/ ١٣٥٤، وانظر في ذلك كتاب "في ظلال القرآن في الميزان" من ص ١٦٠ - ١٧٠ وبعدها.