للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فيحتاجون للمال والطعام والكساء والدواء، أو لدفن موتاهم في بعض الأحيان، فلا يجدون في هذا العالم المادى الكز الضنين الشحيح من يمد لهم يد المعونة البيضاء، فيلجأون مرغمين إلى أوكار الوحوش، فرائس سهلة تسعى إلى الفخاخ بأقدامها، تدفعها الحاجة وتزجيها الضرورة سواء كانوا أفرادًا هكذا أو كانوا في صورة بيوت مالية ومصارف ربوية. فكلهم سواء، غير أن هؤلاء يجلسون في المكاتب الضخمة على المقاعد المريحة، ووراءهم ركام من النظريات الاقتصادية والمؤلفات العلمية، والأساتذة والمعاهد والجامعات، والتشريعات والقوانين والشرطة والمحاكم والجيوش … كلها قائمة لتبرير جريمتهم وحمايتها، وأخذ من يجرؤ على التلكؤ في رد الفائدة الربوية إلى خزائنهم باسم القانون … " (١).

وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ .. ﴾ (٢) استوقفه الفعل "أفضى"، وحذْف مفعوله في الآية، وانطلاقًا من القاعدة المعروفة "حذف المعمول يفيد العموم" قدم في لوحة بيانية ساحرة نماذج من الإفضاءات بين الزوجين فقال:

"ويدع الفعل: "أفضى" بلا مفعول محدد، يدع اللفظ مطلقًا، يشع كل معانيه، ويلقى كل ظلاله، ويسكب كل إيحاءاته، ولا يقف عند حدود الجسد وإفضاءاته. بل يشمل العواطف والمشاعر، والوجدانات والتصورات، والأسرار والهموم، والتجاوب في كل صورة من صور التجاوب، يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة آناء الليل وأطراف النهار، وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان. وفي كل اختلاجة حب إفضاء، وفى كل نظرة ود إفضاء، وفى كل لمسة جسم إفضاء، وفى كل اشتراك


(١) الظلال ص ١ - ٣٣٣.
(٢) النساء: ٢٠ - ٢١.