للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

واستدل بأن السلف تكلم بعضهم في بعض بكلام منه ما حمل عليه الغضب أو الحسد، ومنه ما دعا إليه التأويل واختلاف الاجتهاد مما لا يلزم المقولة فيه ما قال القائل فيه، وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلًا واجتهادًا.

ثم قال ابن عبد البر: فمن أراد قبول قول العلماء الثقات بعضهم في بعض، فليقبل قول الصحابة بعضهم في بعض، فإن فعل ذلك فقد ضل ضلالًا بعيدًا، وخسر خسرانًا مبينًا، قال: وإن لم يفعل - ولن يفعل إن هداه الله وألهمه رشده - فليقف عندما شرطناه في ألا يقبل في صحيح العدالة المعلوم بالعلم عنايته قول قائل لا برهان له.

* قال السبكي: قلت: هذا كلام ابن عبد البر وهو على حسنه غير صاف من القذى والكدر، فإنه لم يزد فيه على قوله: "إن من ثبتت عدالته ومعرفته لا يقبل قول جارحه إلا ببرهان"، وهذا قد أشار إليه العلماء جميعًا حيث قالوا: لا يقبل الجرح إلا مفسرًا، فما الذي زاده ابن عبد البر عليهم؟

إلى أن قال: فإن قلت فما العبارة الوافية بما تراه؟

قلت: ما عرّفناك أولًا من أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعته على معاصيه ومادحوه على ذاميه، ومزكوه على جارحيه، إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرّحه من تعصبٍ مذهبي، أو منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء أو غير ذلك.

* ثم قال السبكي: مما ينبغى أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح، فربما خالف الجارحُ المجروحَ في العقيدة فجرحه لذلك، وإليه أشار الرافعى بقوله: ينبغى أن يكون المزكون براء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفًا من أن يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق.

وقد أشار شيخ الإسلام سيد المتأخرين تقى الدين بن دقيق العيد في كتابه الاقتراح إلى هذا وقال: "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون، والحكام".