للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ثم ذكر السبكى أمثلة لذلك في بعض من رمى ابن حبان بالتجسيم أو من ترك البخاري، وهو حامل لواء الصناعة إلى غير ذلك من الأمثلة على ذلك.

قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد رمى سيد قطب أيضًا وهو من حاملي لواء الحاكمية في هذا العصر بأنه يجوز تحكيم غير شرع الله!!

* ثم قال السبكي: ومما ينبغى أن يتفقد عند الجرح أيضًا حال الجارح في الخبرة بمدلولات الألفاظ فكثيرًا ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها؟ والخبرة بمدلولات الألفاظ ولا سيما الألفاظ العرفية التي تختلف باختلاف عرف الناس وتكون في بعض الأزمنة مدحًا وفى بعضها ذمًا أمر شديد لا يدركه قعيد بالعلم.

قلت: وبعض من رمى سيد قطب أوتى من هذا الجانب، ففهم كلامه على غير وجهه فرماه فيما رماه به أنه يكفر المجتمع لأنه أكثر من استخدام كلمة "الجاهلية".

* ومما ينبغي أن يتفقد أيضًا حاله فيه العلم بالأحكام الشرعية، فرب جاهل ظن أن الحلال حرامًا فجرح به، ومن هنا أوجب الفقهاء التفسير ليتوضح الحال، وقال الشافعي : حضرت بمصر رجلًا مزكيًا يجرح رجلًا فسأل عن سببه وألح عليه، فقال: رأيته يبول قائمًا، قيل: وما في ذلك؟ قال: يرد الريح من رشاشه على يده وثيابه فيصلى به، قيل: هل رأيته قد أصابه الرشاش وصلى قبل أن يغسل بكل ما أصابه؟ قال: لا، ولكن أراه سيفعل ا هـ (١).

وعلى هذا كان منهج يحيى بن معين في نقده للرجال.

يقول الدكتور أحمد محمد نور سيف (٢):

إن للنقد عند يحيى بن معين مقدمات، وفرضيات يقوم عليها، وهي في مجموعها تشكل مبادئ أساسية لا بد لكل ناقد من مراعاتها.


(١) رسالة قاعدة في الجرح والتعديل، وقاعدة في المؤرخين للإمام تاج الدين أبي نصر السبكي بتحقيق عبد الفتاح أبو غُدة، طبعة دار الوعى، وقد نقلنا هذه القاعدة بشيء من التصرف والاختصار.
(٢) أستاذ مساعد بكلية الشريعة جامعة الملك عبد العزيز، وهو الذي حقق تاريخ ابن معين وكلامه هذا في: ١/ ٧٠، ٧١.