فهذا يزيد الفارسى الذى انفرد برواية هذا الحديث يكاد يكون مجهولًا، حتى شبه على مثل ابن مهدى وأحمد والبخارى أن يكون هو ابن هرمز أو غيره، ويذكره فى "الضعفاء"، فلا منه مثل هذا الحديث ينفرد به، وفيه تشكيك في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعى، قراءة وسماعًا وكتابة في المصاحف، وفيه تشكيك في إثبات البسملة فى أوائل السور، كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه، وحاشاه من ذلك، فلا علينا إذا قلنا إنه:"حديث لا أصل له" تطبيقًا للقواعد الصحيحة التي لا خلاف فيها بين أئمة الحديث، قال السيوطى فى "تدريب الراوى"(ص ٩٩) في الكلام على أمارات الحديث الموضوع: "أن يكون منافيًا لدلالة الكتاب القطعية، أو السُّنَّة المتواترة، أو الإجماع القطعى". وقال الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة": "ومنها ما يؤخذ من حال المروى، كأن يكون مناقضًا لنص القرآن، أو السُّنَّة المتواترة، أو الإجماع القطعى". وقال الخطيب فى كتاب "الكفاية"(ص ٤٣٢): "ولا يقبل خبر الواحد فى منافاة حكم العقل، وحكم القرآن الثابت المحكم، والسُّنَّة المعلومة، والفعل الجارى مجرى السُّنَّة، وكل دليل مقطوع به". وكثيرًا ما يضعف أئمة الحديث راويًا لانفراده برواية حديث منكر يخالف المعلوم من الدين بالضرورة، أو يخالف المشهور من الروايات، فأولى أن نضعف يزيد الفارسى هذا، بروايته هذا الحديث منفردًا به، إلى أن البخارى ذكره فى "الضعفاء" وينقل عن يحيى القطان: أنه كان يكون مع الأمراء، ثم بعد كتابة ما تقدم وجدت -أى الشيخ أحمد شاكر- الحافظ ابن كثير نقل هذا الحديث فى "التفسير"(٤/ ١٠٦ - ١٠٧)، وفى كتاب "فضائل القرآن" المطبوع فى آخر التفسير (ص ١٧ - ١٨)، ووجدت أستاذنا العلامة السيد محمد رشيد رضا ﵀ علق عليه فى الموضعين، فقال في الموضع الأول بعد الكلام على يزيد الفارسى:"فلا يصح أن يكون ما انفرد به معتبرًا فى ترتيب القرآن الذى يطلب فيه التواتر"، وقال فى الموضع الثانى:"فمثل هذا الرجل لا يصح أن تكون روايته التى انفرد بها مما يؤخذ به في ترتيب القرآن المتواتر". وهذا يكاد يوافق ما ذهبنا إليه، فلا عبرة بعد هذا كله فى هذا الموضع بتحسين الترمذى ولا بتصحيح الحاكم ولا بموافقة الذهبي، وإنما العبرة للحجة والدليل، والحمد لله على التوفيق ا هـ مع اختصار يسير.