عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، وَوَجَدْنَاهُ عَلَى سَرِيرٍ يَسُفُّ خُوصًا، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا ابْنُ أُخْتٍ لِي قَدِمَ عَلَيَّ مِنَ البَادِيَةِ فَأَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ. قَالَ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. قُلْتُ: يَزْعُمُ إِنَّهُ يُحِبُّكَ. قَالَ: أَحَبَّهُ اللَّهُ، فَتَحَدَّثْنَا وَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَلا تُحَدِّثُنَا عَنْ أَصْلِكَ وَمِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَمَّا أَصْلِي وَمِمَّنْ أَنَا، فَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أهْلِ رَامَهُرْمُزَ، كُنَّا قَوْمًا مَجُوسًا، فَأَتَانَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ الجَزِيرَةِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنَّا، فَنَزَلَ فِينَا وَاتَّخَذَ فِينَا دَيْرًا، قَالَ: وَكُنْتُ فِي كُتَّابِ الفَارِسِيَّةِ، وَكَانَ لَا يَزَالُ غُلامٌ مَعِي فِي الكُتَّابِ يَجِيءُ مَضْرُوبًا يَبْكِي قَدْ ضَرَبَهُ أَبَوَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: يَضْرِبُنِي أَبَوَايَ. قُلْتُ: وَلِمَ يَضْرِبَانِكَ؟ قَالَ: آتِي صَاحِبَ هَذَا الدَّيْرِ، فَإِذَا عَلِمَا ذَلِكَ ضَرَبَانِي، وَأَنْتَ لَوْ أَتَيْتَهُ سَمِعْتَ مِنْهُ حَدِيثًا عَجِيبًا. قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ. فَأَتَيْنَاهُ فَحَدَّثَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ، وَعَنْ بَدْءِ خَلْقِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَعَنِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، قَالَ: فَحَدَّثَنَا بِأَحَادِيثَ عَجَبٍ. قَالَ: وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مَعَهُ. قَالَ: فَفَطِنَ لَنَا غِلْمَانٌ مِنَ الكُتَّابِ فَجَعَلُوا يَجِيئُونَ مَعَنَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ القَرْيَةِ أَتَوْهُ فَقَالُوا لَهُ: يَا هَذَا، إِنَّكَ قَدْ جَاوَرْتَنَا فَلَمْ تَرَ مِنْ جِوَارِنَا إِلا الحَسَنَ، وَإِنَّا نَرَى غِلْمَانَنَا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْكَ، وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ تُفْسِدَهُمْ عَلَيْنَا، اخْرُجْ عَنَّا. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لِذَلِكَ الغُلَامِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ: اخْرُجْ مَعِي. قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ ذَاكَ، وَقَدْ عَلِمْتَ شِدَّةَ أَبَوَيَّ عَلَيَّ. قُلْتُ: لَكِنِّي أَخْرَجُ مَعَكَ. وَكُنْتُ يَتِيمًا لَا أَبَ لِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَخَذْنَا جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ، فَجَعَلْنَا نَمْشِي ونَتَوَكَّلُ، وَنَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ حَتَّى قَدِمْنَا الجَزِيرَةَ، فَقَدِمْنَا نَصِيبَيْنِ فَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ هَاهُنَا قَوْمًا هُمْ عُبَّادُ أَهْلِ الأَرْضِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاهُمْ. قَالَ: فَجِئْنَا إِلَيْهِمْ يَوْمَ الأَحَدِ وَقَدِ اجْتَمَعُوا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ صَاحِبِي، فَحَيَّوْهُ وبَشُّوا بِهِ وَقَالُوا: أَيْنَ كَانَتْ غَيْبَتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي إِخْوَانٍ لِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute