ولهذا كان المقام في الثغور بنية المرابطة في سبيل اللَّه تعالى أفضل من المجاورة بالمساجد الثلاثة باتفاق العلماء؛ فإن جنس الجهاد أفضل من جنس الحج، كما قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. . .} الآية (٤).
وهكذا لو كان عاجزًا عن الهجرة والانتقال إلى المكان الأفضل الذي لو انتقل إليه لكانت الطاعة عليه أهون، وطاعة اللَّه ورسوله في الموضعين واحدة؛ لكنها هناك أشق عليه، فإنه إذا استوت الطاعتان فأشقهما أفضل؛ وبهذا ناظَر مهاجرة الحبشة المقيمون بين الكفار لمن زعم أنه أفضل منهم، فقالوا: كنا عند البغضاء البعداء وأنتم عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعلِّم جاهلكم، ويطعم جائعكم، وذلك في ذات اللَّه.
وأمَّا إذا كان دينه هناك أنقص فالانتقال أفضل له، وهذا حال غالب الخلق؛ فإن أكثرهم لا يدافعون؛ بل يكونون على دين الجمهور.
فإن كون الأرض "دار كفر" أو "دار إسلام أو إيمان" أو "دار سلم" أو "حرب" أو "دار طاعة" أو "معصية" أو "دار المؤمنين" أو "الفاسقين" أوصاف عارضة، لا لازمة، فقد تنتقل من وصف إلى وصف كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم، وكذلك بالعكس.
وأمَّا الفضيلة الدائمة في كل وقت ومكان ففي الإيمان والعمل الصالح، كما