للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا تَأْكُلْ، وَلَا تَشْرَبْ، وَلَا تَسْتَظِلَّ، وَلَا تَنْزِلْ عَنْ أَتَانِكَ هَذِهِ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى قَرْيَتِكَ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا. قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ يَضْرِبُونَهُ بِالخشَبِ، وَيَشُجُّونَهُ بِالحجَارَةِ وَهُوَ عَلَى أَتَانِهِ لَا يَنْزِلُ عَنْهَا، فنَالَهُ عَلَى ذَلِكَ أَذًى كَثِيرٌ وَضَرَبٌ عَظِيمٌ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا فِي آخِرِ النَّهَارِ يَؤمَّ قَرْيَتَهُ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا، وَقْدَ أَدَّى الرِّسَالَةَ، وَصَبَرَ عَلَى الضَّرْبِ وَالبَلَاءِ للَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلَمَّا كَانَ ببَعْضِ الطَّرِيقِ سَمِعَ بِهِ نَبِيٌّ آخَرٌ كَانَ فِي بَعْضِ القُرَى اسْتَقْبَلَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ أَدَّيتَ رِسَالَةَ رَبِّكَ، وَإِنكَ أَمْضَيتَ أَمْرَهُ، وَإِنَّكَ قَدْ نَصِبْتَ وَلَقِيتَ عَنَاءً مِنْ هَؤُلَاءِ القَوْمِ، وَأَنْتَ جَائِعٌ عَطْشَانٌ تَسيلُ دِمَاؤُكَ عَلَى جَسَدِكَ وَثِيَابكَ؛ فَاغْدُ إِلَى مَنْزِلِي فَكُلْ وَاشْرَبْ وَاسْتَرِحْ، وَاغْسِلْ جَسَدَكَ وَثِيابَكَ. فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لمَّا أَرْسَلَنِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِليَّ أَنْ لَا آكُلَ وَلَا أَشْرَبَ وَلَا أَسْتَظِلَّ حَتَّى أَرْجعَ إِلَى أَهْلِي. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: فَإِنِّي مِنْ أَهْلِكَ؛ لِأَنَّنِي نَبِيٌّ مِثْلُكَ، وَأَخُوكَ فِي الدِّينِ، فَلَا أَرَى اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- عَنِيَ بِذَلِكَ إِلَّا القَوْمَ الَّذِينَ بَعَثَكَ إِلَيْهِمْ؛ لِأنَّهُمْ أَعْدَاوُهُ، فَنَهَاكَ أَنْ تَأكُلَ مِنْ طَعَامِهِمْ، وَتَسْتَظِلَّ عِنْدَهُمْ، وَلَا أَحْسَبُ حَرَّمَ عَلَيْكَ دُخُولَ مَنْزِلِي، وَلَا الأَكْلَ مِنْ طَعَامِي؛ لِأَنِّي شَريكُكَ فِي الأُخُوَّةِ وَالنُّبوَّةِ. قَالَ: فَصَدَّقَهُ وَانْصَرَفَ مَعَهُ إِلَى مَنْزِلَهُ، فَلَمَّا وَضَعَ الطًّعَامَ بَينَ يَدَيهِ وَأَهْوَى لِيَأكُلَ عَنْ جُوع شدِيدٍ قَدْ أَضَرَّ بِهِ؛ أَوْحَى اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى ذَلِكَ النَّبِيّ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ قُل لَهُ: آثَرْتَ شَهْوتَكَ وَبْطَنَكَ عَلَى أَمْرِي، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَنْزِلَ، وَلَا تَسْتَظِلَّ، وَلَا تَأَكُلَ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى قَرْيَتِكَ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ اجْتَهَدتَّ بِرَأْيكَ، وَقُلْتَ بِمَبْلَغِ عِلْمِكَ لَعَمَّكُمَا العِقَابُ، وَهُوَ أَقَلّ عِنْدِي عُذْرًا مِنْكَ؛ لأَنِّي عَهَدت إِلَيْهِ فَآثَرَ هَوَاهُ وَشَهْوَتَهُ وَتَرَكَ عَهْدِي، فَأَخْبَرهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَا أُمِرَ، فَوَثَبَ مَذْعُورًا يَجُرُّ إِزَارَهُ، وَجَعَلَ يُرَّحِلُ أَتَانَهُ وَيَعْجَلُ وَلَا يَعْقِلُ مَا هُوَ فِيهِ، فَرَكِبَهَا طَارِدًا لَهَا عَلَى وَجْهِهِ لجُوعِهِ

<<  <   >  >>