فَقَالَ عُمَرُ: مَاذَا تَرَونَ؟ هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ رَأْيٌ غَيْرَ هَذَا؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ عَلِىٌّ: نَعَمْ عِنْدِي غَيْرَ هَذَا الرَّأْيِ. قَالَ: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنهُمْ قَدْ سَألُوكَ المنزِلَةَ الَّتِي فِيهَا الذُّلَّ لَهُمْ وَالصَّغَارَ وَهُوَ عَلَى المُسْلِمِينَ فَتْحٌ لَهُمْ وَعِزٌّ، وَهُمْ يُعْطُونَكَهَا الْآنَ فِي العَاجِلِ فِي عَافِيَةٍ لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلكَ إِلَّا أَنْ تَقْدُمَ عَلَيْهِمْ، وَلَكَ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِم الأَجْرَ فِي كُلِّ ظَمَأٍ وَمَخْمَصَةٍ، وَفِي كُلِّ قَطْعِ وَادٍ، وَفِي كُلِّ نَفَقَةٍ حَتَّى تَقْدُمَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْتَ عَلَيْهِمْ كَانَ الْأَمْنُ والعَافِيَةُ وَالصَّلَاحُ وَالفَتْحُ، وَلَسْتُ آمَنُ إِنْ أَيِسُوا مِنْ قَبُولِكَ الصُّلْحَ مِنْهُمْ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِحِصْنِهِمْ فَيَأْتِيَهُمْ عَدُوٌّ لَنَا مْنْهُمْ مَدَدًا، فَيَدْخُلَ عَلَى المُسْلِمِينَ بَلاءٌ وَطُولُ حِصَارٍ، فَيُصِيبُ المُسْلِمِينَ مِنْ الجهْدِ وَالجوعِ نَحْوَ مَا يُصِيبُهُمْ، وَلَعَلَّ المُسْلِمِينَ يَدْنُونَ مِنْ حِصْنِهِمْ فَيَرْشُقُونَهُمْ بِالنَّشَابِ، أَوْ يَقْذِفُوهْمْ بِالمجَانِيقِ؛ فَإِنْ أُصِيبَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ تَمَنَّيْتُمْ أَنَّكُمْ افْتَدَيْتُمْ بِقَتْلِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ بَتَسْيِيرِكُمْ إِلَى مُنْقَطَعِ التُّرَابِ، وَكَانَ المُسْلِمُ لِذَلِكَ مِنْ إِخْوَانِهِ أَهْلًا. فَقَالَ عُمْرُ: قَدْ أَحْسَنَ عُثْمَانُ النَّظَرَ فِي مَكِيدَةَ العَدُوِّ، وَقَدْ أَحْسَنَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ النَّظَرَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ؛ فَإِنِّي سَائِرٌ. قَالُوا: فَخَرَجَ فَعَسْكَرَ خَارِجًا مِنَ المدِينَةِ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ بِالمعَسْكَرِ وَالمسِيرِ، فَعَسْكَرَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المطَّلِبِ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَوُجُوهِ قُرَيْشٍ وَالْأَنَصَارِ وَالْعَرَبِ حَتَّى لمَّا تَكَامَلَ عِنْدَهُ النَّاسُ اسْتَخْلَفَ عَلَى المدِينَةِ عَلِيَّ بن أَبِي طَالِبٍ وَسَارَ. قَالُوا: فَقَلَّ غَدَاةٌ إِلَّا وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى المُسْلِمِينَ بِوَجْهِهِ إِذَا أَصْبَحَ فَيَقُولُ: الحمْدُ للَّهِ الَّذِي أَعَزنَا بِالإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَنَا بِالإيمَانِ، وَرَحِمَنَا بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَهَدَانَا بِهِ منَ الضَّلَالَةِ، وَجَمَعَنَا بِهِ مِنْ بَعْدِ شَتَاتٍ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوِبِنَا، وَنَصَرَنَا بِهِ عَلَى الأَعْدَاءِ، وَمَكَنَ لَنَا فِي البِلادِ، وَجَعَلَنَا إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ، فَاحْمَدُوا اللَّه عِبَادَ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَاسْأَلُوهُ المزِيدَ مِنْهَا، وَالشُّكْرَ عَلَيْهَا، وَتَمَامَ مَا أَصْبَحْتُمْ تَتَقَلَّبُونَ فِيهِ مِنْهَا؛ فَإِنَّ اللَّه يَزِيدُ المرِيدِينَ الرَّاغِبِينَ، وُيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَى الشَّاكِرِينَ، قَالُوا: وَكَانَ لَا يَدَعُ هَذَا الْقَوْلَ فِي كُلِّ غَدَاةٍ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute