للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والإنسان المؤمن يحسن الاستفادة من القوى الطبيعية في الكون وموقفه منها "هو موقف التعرف والصداقة، لا موقف التقاتل والعداء. ذلك أن قوة الإنسان وقوة الطبيعة صادرتان عن إرادة الله ومشيئته، محكومتان بإرادة الله ومشيئته، متناسقتان متعاونتان في الحركة والاتجاه … ".

إن الله خلق هذه القوى للإنسان "لتكون له صديقًا مساعدًا متعاونًا، وأن سبيله إلى كسب هذه الصداقة أن يتأمل فيها، ويتعرف إليها، ويتعاون وإياها، ويتجه معها إلى الله ربه وربها .... " (١).

والإنسان والقوى الطبيعية يشكلان وحدة في هذا الوجود الكوني العريض الكبير المأنوس فالوجود وحدة، بمعنى: (وحدة صدوره عن الإرادة الواحدة الخالقة، ووحدة ناموسه الذي يسير به، ووحدة تكوينه وتناسقه واتجاهه إلى ربه في عبادة وخشوع: ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ … ﴾ " (٢).

فالإنسان - إذن - ليس "مفردًا في هذا الكون الفسيح، فإن مَنْ حوله، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، وحيثما امتد به النظر أو طاف به الخيال .. إخوان له من خلق الله، لهم طبائع شتى، وصور شتى، وأشكال شتى. ولكنهم بعد ذلك يلتقون في الله، ويتوجهون إليه، ويسبحون بحمده: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ .. ﴾ (٣).

ويبدو الكون بما فيه ومن فيه في هذا المشهد الخاشع: "متجهًا كله إلى خالقه، مسبحًا بحمده قائمًا بصلاته .. وإن الإنسان ليدرك - حين يشف - هذا


(١) انظر الظلال ص ١ - ٢٥.
(٢) انظر الظلال ص ١ - ١٠٦، والآية في سورة البقرة: ١١٦.
(٣) النور: ٤١.