آنِفًا﴾ قال أنا من الذين أوتُوا العلم، وقوله تعالى في سورة الكهف: ﴿مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾، قال: أنا من القليل، وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾، قال: كنت أنا وأمى من المستضعفين، وأمثال ذلك كثير عنه، وعن غيره من الصحابة مما يؤكد على سلفية هذا المنهج، مثل ما جاء عن عائشة في قصة الإفك قالت والله ما أجد لكم مثلًا إلا قول أبي يوسف، قال:"فصير جميل والله المستعان على ما تصفون"(١)، فلما نظرت في القرآن رأت واقعها مع النبي ﷺ أشبه بواقع أبي يوسف مع أبناءه، فتمثلت قولته وأنزلتها على نفسها والرسول يقرها على ذلك، وأيضًا قول ابن مسعود الذى أخرجه ابن جرير عنه من غير وجه في فضل معاذ قال:"إن معاذ كان أمة قانتا لله حنيفا"، فقال نوفل الأشجعي: فقلت في نفسي غلط أبو عبد الرحمن، وقال: "إنما قال الله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾، فقال: تدرى ما الأمة وما القانت؟ قلت: الله أعلم، فقال: الأمة الذى يعلم الناس الخير، والقانت المطيع لله ورسوله، وكذلك كان معاذ، فابن مسعود لم ير بأسًا من تنزيل الآية على معاذ، بل وضع اسمه مكان اسم الخليل ﵇ لتشابه الأحوال.
ومما يؤكد هذا المنهج السلفى ربط القرآن بالواقع، وأن آياته المنزلة في بعض الناس تتعدى لغيرهم مما يأتي من بعدهم إذا تشابهت الأحوال.
قال الزركشي (البرهان: ١٢/ ٢٤): وقد جاءت آيات في مواضع اتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها؛ كنزول آية الظهار في سلمة بن صخر، وآية اللعان في شأن هلال بن أمية، ونزول حد القذف في رماة عائشة ﵂، ثم تعدى إلى غيرهم .. إلخ. اهـ وهذا أشبه بكلام شيخ الإسلام المتقدم قبل قليل.
(١) [صحيح] أخرجه البخارى في كتاب التفسير، باب: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ … إلخ﴾ الآية (الفتح: ٨/ ٣٠٦/ ح ٤٧٥٠).