للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

"اجعل لنا إلهًا كما لهم ألهة" "إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم" (١)، فالرسول يبين أن صورة الألهة غير محصورة في الأصنام فقط، بل قد تتعدى لغيرها إذا ما بذل له نوع طاعة سواء كان شجر أو بشر، ويبين لهم كذلك أن الآية ليست خاصة باليهود فقط، بل هى عامة في كل من ركب سنتهم.

ويبين كذلك في هذه القصة حتمية ربط القرآن بالواقع وتنزيله عليه.

ولما شق على الصحابة قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ … ﴾ الآية، وقالوا: أينا لم يظلم؟، قال لهم : ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم: بشرك، أو لم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: ﴿يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (٢)، فالرسول يعلمهم أن الآية وإن كانت توجه الخطاب لابن لقمان إلا أنها تعم غيره فلا مانع من نزولها عليهم وربطها بواقعهم (٣).

ومما يدل على سلفية هذا المنهج أيضًا ما أثر عن ترجمان القرآن وحبر الأمة ابن عباس في غير موضع من تفسيره يربط فيه بين القرآن والواقع، ففى قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ:


(١) [حسن صحيح] النَّسَائِي في التفسير: ١/ ٤٩٩، ح ٢٠٥، الترمذي في جامعة رقم (٢١٨٠)، وقال: حسن صحيح، والحميدى برقم (٨٤٨)، وغيرهم.
(٢) [صحيح] الحديث أخرجه البخارى في مواضع من صحيحه منها في كتاب الإيمان، باب: ظلم دون ظلم (الفتح: ١/ ١٠٩/ح ٣٢).
(٣) ومما يؤكد حتمية وسلفية هذا المنهج مشورة النبي لأبي بكر وعمر في شأن أسارى بدر، فلما قال عمر بالقتل، وقال أبو بكر بالفداء، قال : "وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ ". (انظر حديث رقم (٥٢٢) من الكتاب).