ثم يخطبهم في السنة الثانية في وجه الكعبة أيضًا فيقول: أيها الناس، لا تحلوا حرماتكم، وعظموا شعائركم، فإني أجاب ولا أعاب، ولا يعاب لقول قلته، اللهم إني قد أحللت دماء المحلين طيئ وخثعم في الأشهر الحرم، وإنما أحل دماءهم؛ لأنهم كانوا يعدون على الناس في الأشهر الحرم من بين العرب فيعرونهم، يطلبون بثأرهم ولا يقفون عن حرمات الأشهر الحرم كما يفعل غيرهم من العرب.
فكان سائر العرب من الحلة والحمس، لا يعدون في الأشهر الحرم على أحد ولو لقي أحدهم قاتل أبيه أو أخيه، ولا يستاقون مالا، إعظاما للشهور الحرم، إلا خثعما وطيئا فإنهم كانوا يعدون في الأشهر الحرم، فهنالك يحرمون من تلك السنة المحرم وهو صفر الأول ثم يعدون الشهور على عدتهم التي عدوها في العام الأول، فيحجون في كل شهر حجتين، ثم ينسأ في السنة الثانية، فينسأ صفر الأول في عدتهم هذه وهو صفر الآخر في العدة الثانية حتى تكون حجتهم في صفر أيضًا حجتين، وكذلك الشهور كلها حتى يستدير الحج في كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم الذي ابتدءوا منه الإنساء، يحجون في الشهور كلها في كل شهر حجتين.
فلما كان عام فتح مكة سنة ثمانٍ، استعمل النبي ﷺ عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة ومضى إلى حنين فغزا هوازن، فلما فرغ منها مضى إلى الطائف ثم رجع عن الطائف إلى الجعرانة فقسم بها غنائم حنين في ذي القعدة، ثم دخل مكة ليلًا معتمرًا، فطاف البيت وبين الصفا والمروة من ليلته ومضى إلى الجعرانة فأصبح بها كبائت، فأنشأ الخروج