بعده الحارث بن مالك بن كنانة وهو القلمس، ثم نسأ بعده سرير بن القلمس، ثم كانت النساءة في بني ثعلبة حتى جاء الإسلام.
وكان آخر من نسأ منهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية بن عبد بن فقيم، وهو الذي جاء في زمن عمر بن الخطاب ﵁ إلى الركن الأسود، فلما رأى الناس يزدحمون عليه قال: أيها الناس أنا له جار، فأخروا عنه فخفقه عمر بالدرة ثم قال: أيها الجلف الجافي، قد أذهب الله عزك بالإسلام.
فكل هؤلاء قد نسئوا في الجاهلية والذي ينسأ لهم إذا أرادوا أن لا يحلوا المحرم قام بفناء الكعبة يوم الصدر فقال: أيها الناس، لا تحلوا حرماتكم، وعظموا شعائركم، فإني أجاب ولا أعاب، ولا يعاب لقول قلته، فهنالك يحرمون المحرم ذلك العام.
وكان أهل الجاهلية يسمون المحرم صفرا الأول، وصفر، صفرا الآخر، فيقولون: صفران وشهرا ربيع وجماديان ورجب وشعبان وشهر رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة، فكان ينسأ الأنساء سنة ويترك سنة؛ ليحلوا الشهور المحرمة ويحرموا الشهور التي ليست بمحرمة.
وكان ذلك من فعل إبليس ألقاه على ألسنتهم فرأوه حسنًا، فإذا كانت السنة التي ينسأ فيها، يقوم فيخطب بفناء الكعبة ويجتمع الناس إليه يوم الصدر فيقول: يا أيها الناس، إني قد أنسأت العام صفرا الأول -يعني المحرم- فيطرحونه من الشهور ولا يعتدون به، ويبتدئون العدة فيقولون لصفر وشهر ربيع الأول صفرين، ويقولون لشهر ربيع الآخر ولجمادى الأولى شهري ربيع، ويقولون لجمادى الآخرة ولرجب جماديين، ويقولون لشعبان رجبا، ولشهر رمضان شعبان، ويقولون لشوال شهر رمضان، ولذي القعدة شوالا، ولذي الحجة ذا القعدة، ولصفر الأول وهو المحرم، الشهر الذي أنسأه ذا الحجة، فيحجون تلك السنة في المحرم، ويبطل من هذه السنة شهرا ينسؤه.