والله أعلم، فما رئيت لرسول الله ﷺ عورة بعد ذلك، ولُبِجَ (١) برسول الله من الفزع حين نودي، فأخذه العباس بن عبد المطلب فضمه إليه وقال: لو جعلت بعض نمرتك على عاتقك تقيك الحجارة، قال:"ما أصابني هذا إلا من التعري" فشد رسول الله ﷺ إزاره وجعل ينقل معهم.
وكانوا ينقلون بأنفسهم تبررًا وتبركًا بالكعبة. فلما اجتمع لهم ما يريدون من الحجارة والخشب وما يحتاجون إليه عدوا على هدمها، فخرجت الحية التي كانت في بطنها تحرسها سوداء الظهر، بيضاء البطن، رأسها مثل رأس الجدي، تمنعهم كلما أرادوا هدمها، فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند مقام إبراهيم -وهو يومئذ بمكانه الذي هو فيه اليوم، فقال لهم الوليد بن المغيرة: يا قوم، ألستم تريدون بهدمها الإصلاح؟ قالوا: بلى. قال: فإن الله لا يهلك المصلحين، ولكن لا تدخلوا في عمارة بيت ربكم إلا من طيب أموالكم، ولا تدخلوا فيه مالًا من ربا، ولا مالًا من ميسر، ولا مهر بغي، وجنبوه الخبيث من أموالكم؛ فإن الله لا يقبل إلا طيبًا ففعلوا.
ثم وقفوا عند المقام فقاموا يدعون ربهم ويقولون: اللهم إن كان لك في هدمها رضًا فأتمه، واشغل عنا هذا الثعبان، فأقبل طائر من جو السماء كهيئة العقاب ظهره أسود، وبطنه أبيض، ورجلاه صفراوان والحية على جدر البيت فاغرة فاها، فأخذ برأسها ثم طار بها حتى أدخلها أجياد الصغير فقالت قريش: إنا لنرجو أن يكون الله ﷾ قد رضي عملكم، وقبل نفقتكم فاهدموه.
فهابت قريش هدمه وقالوا: من يبدأ فيهدمه؟ فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمه، أنا شيخ كبير فإن أصابني أمر كان قد دنا أجلي وإن كان غير ذلك لم يرزأني. فعلا البيت وفي يده عتلة يهدم بها فتزعزع من تحت رجله حجر فقال: اللهم لم ترع؟ إنما أردنا الإصلاح وجعل يهدمه حجرًا