للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن امرأة ذهبت تجمر الكعبة فطارت من مجمرتها شرارة فأحرقت كسوتها، وكانت الكسوة عليها ركامًا بعضها فوق بعض، فلما أحرقت الكعبة توهنت جدرانها من كل جانب وتصدعت، وكانت الخرف (١) والأربعة مظلة والسيول متواترة، ولمكة سيول عوارم، فجاء سيل عظيم على تلك الحال فدخل الكعبة وصدع جدرانها وأخافهم، ففزعت من ذلك قريش فزعًا شديدًا وهابوا هدمها، وخشوا إن مسوها أن ينزل عليهم العذاب.

قال: فبينا هم على ذلك ينتظرون ويتشاورون إذ أقبلت سفينة للروم حتى إذا كانت بالشعيبة -وهي يومئذ ساحل مكة قبل جدة- انكسرت فسمعت بها قريش فركبوا إليها، فاشتروا خشبها وأذنوا لأهلها أن يدخلوا مكة فيبيعوا ما معهم من متاعهم على أن لا يعشروهم (٢)، قال: وكانوا يعشرون من دخلها من تجار الروم كما كانت الروم تعشر من دخل منهم بلادها، فكان في السفينة رومي نجار بناء يسمى باقوم.

فلما قدموا بالخشب مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا، فأجمعوا لذلك وتعاونوا عليه وترافدوا في النفقة، وربعوا قبائل قريش أرباعًا ثم اقترعوا عند هبل في بطن الكعبة على جوانبها، فطار قدح بني عبد مناف وبني زهرة على الوجه الذي فيه الباب وهو الشرقي، وقدح بني عبد الدار وبني أسد بن عبد العزى وبني عدي بن كعب على الشق الذي يلي الحجر وهو الشق الشامي، وطار قدح بني سهم وبني جمح وبني عامر بن لؤي على ظهر الكعبة وهو الشق الغربي، وطار قدح بني تميم وبني مخزوم وقبائل من قريش ضموا معهم على الشق اليماني الذي يلي الصفا وأجياد، فنقلوا الحجارة ورسول الله يومئذ غلام لم ينزل عليه الوحي ينقل معهم الحجارة على رقبته، فبينا هو ينقلها إذ انكشفت نمرة كانت عليه فنودي: يا محمد عورتك، وذلك أول ما نودي


(١) الخرف: جمع خريف، والأربعة: جمع ربيع.
(٢) عشر المال: أخذ عشره مكسًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>