أن يأخذوا أموالهم، و يقيموا وكلاء عنهم على بساتينهم ومزارعهم. ولكن المنافقين في المدينة - وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق - أرسلوا إليهم يحرضونهم على الرفض والمقاومة، وقالوا لهم: أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم. إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم.
فتحصن اليهود في الحصون، فأمر رسول الله ﷺ بقطع نخيلهم والتحريق فيها. فنادوه: أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه: فما بال قطع النخيل وتحريقها؟ وفي الرد عليهم نزل قوله تعالى: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ …
ولما بلغ الحصار ستًا وعشرين ليلة، يئس اليهود من صدق وعد المنافقين لهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله ﷺ أن يجليهم ويكف عن دمائهم، كما سبق جلاء بني قينقاع (وقد ذكرنا سببه وظروفه في تفسير سورة الأحزاب في الجزء الحادي والعشرين) على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح. فأجابهم رسول الله ﷺ فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن خشبة بابه فيحمله على ظهر بعيره، أو يخربه حتى لا يقع في أيدي المسلمين، وكان المسلمون قد هدموا وخربوا بعض الجدران التي اتخذت حصونًا في أيام الحصار.
وفي هذا يقول الله في هذه السورة: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ