للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للوقوف على تلك الأعمال، ورد الأمر فيها إلى إسحاق ليعمل بما فيه الصلاح والإحكام إن شاء الله تعالى، فقدم إسحاق بن سلمة الصائغ بمن معه من الصناع والذهب والفضة والرخام والآلات مكة لليلة بقيت من رجب سنة إحدى وأربعين ومائتين، ومعه كتاب منشور مختوم في أسفله بخاتم أمير المؤمنين إلى العامل بمكة، وغيره من العمال بمعاونة إسحاق بن سلمة ومكانفته على ما يحتاج إليه من ترويج هذه الأعمال، وأن لا يجعلوا على أنفسهم في مخالفة ما أمروا به من ذلك سبيلا (١).

فدخل إسحاق بن سلمة الكعبة في شعبان بعد قدومه مكة بأيام، ودخل معه العامل بمكة، وصاحب البريد، وجماعة من الحجبة، وناس من أهل مكة من صلحائهم من القرشيين، وجماعة من الصناع الذين قدم بهم معه، وأحضر منجنيقًا طويلا ألصقة إلى جانب الحدر الذي يقابل من دخل الكعبة، وصعد عليه إسحاق بن سلمة ومعه خيط وسابورة (٢)، فأرسل الخيط من أعلى المنجنيق وهو قائم عليه، ثم نزل وفعل ذلك بجدراتها الأربعة فوجدها كأصح ما يكون من البناء وأحكمه، فسأل الحجبة: هل يجوز التكبير داخل الكعبة؟ فقالوا: نعم، فكبر وكبر من حضره داخل الكعبة وكبر الناس ممن في الطواف وغيرهم من خارجها، وخر من في داخل الكعبة جميعًا سجدًا لله وشكرًا، وقام إسحاق بن سلمة بين بابي الكعبة، فأشرف على الناس وقال: يأيها الناس، احمدوا الله تعالى على عمارة بيته، فإنا لم نجد فيه من الحدث مما كتب به إلى أمير المؤمنين شيئًا، بل وجدنا الكعبة وجدراتها وأحكام بنائها وإتقانها على أتقن ما يكون (٣).

وابتدأ إسحاق بن سلمة عمل الذهب والفضة والرخام في الدار المعروفة


(١) إتحاف الورى ٢/ ٣١٥.
(٢) السابورة: المسبار الذي يسبر ويقاس به الغور ونحوه، ولعلها الآلة التي يضبط بها استقامة الجدران واستواؤها من أعلاها إلى أسلفها.
(٣) إتحاف الورى ٢/ ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>