للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الحصين بن نمير قد نصب المنجنيق على أبي قبيس وعلى الأحمر -وهما أخشبا مكة- فكان يرميهم بها فتصيب الحجارة الكعبة، حتى تخرقت كسوتها عليها، فصارت كأنها جيوب النساء، فوهن الرمي بالمنجنيق الكعبة، فذهب رجل من أصحاب ابن الزبير يوقد نارًا في بعض تلك الخيام، مما يلي الصفا بين الركن الأسود والركن اليماني، والمسجد يومئذ ضيق صغير، فطارت شررة في الخيمة فاحترقت، وكانت في ذلك اليوم رياح شديدة، والكعبة يومئذ مبنية بناء قريش مدماكا من ساج، ومدماكا من حجارة من أسفلها إلى أعلاها، وعليها الكسوة، فطارت الرياح بلهب تلك النار فاحترقت كسوة الكعبة واحترق الساج الذي بين البناء، وكان احتراقها يوم السبت لثلاث ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول قبل أن يأتي نعي يزيد بن معاوية بسبعة وعشرين يومًا، وجاء نعيه في هلال شهر ربيع الآخر ليلة الثلاثاء سنة أربع وستين، وكان توفي لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين؛ وكانت خلافته ثلاث سنين وسبعة أشهر.

فلما احترقت الكعبة؛ واحترق الركن الأسود فتصدع، كان ابن الزبير بعد ربطه بالفضة، فضعفت جدرات (١) الكعبة، حتى إنها لتنقض من أعلاها إلى أسفلها، وتقع الحمام عليها، فتتناثر حجارتها وهي مجردة متوهنة من كل جانب، ففزع لذلك أهل مكة وأهل الشام جميعًا، والحصين بن نمير مقيم، محاصر ابن الزبير.

فأرسل ابن الزبير رجالًا من أهل مكة من قريش وغيرهم، فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد، ورجال من بني أمية إلى الحصين، فكلموه وعظموا عليه ما أصاب الكعبة، وقالوا: إن ذلك كان منكم رميتموها بالنفط فأنكروا ذلك وقالوا: قد توفي أمير المؤمنين فعلى ماذا تقاتل؟ ارجع إلى الشام حتى تنظر ماذا يجتمع عليه رأي صاحبك -يعنون معاوية بن يزيد- وهل يجمع


(١) كذا في الأصل أ. وفي ب: "جدارات".

<<  <  ج: ص:  >  >>