انتهى إلى قبر منها فجلس إليه، فناجاه طويلًا ثم ارتفع صوته ينتحب باكيًا، فبكينا لبكاء رسول الله ﷺ، ثم إن رسول الله ﷺ أقبل إلينا، فتلقاه عمر بن الخطاب ﵁ فقال: ما الذي أبكاك يا رسول الله؟ فقد أبكانا وأفزعنا، فأخذ بيد عمر ثم أومأ إلينا فأتيناه، فقال:"أفزعكم بكائي؟ " فقلنا: نعم يا رسول الله، فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا ثم قال:"إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، ثم استأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فأنزل الله ﷿: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ "، [التوبة: ١١٣] الآية: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ [التوبة: ١١٤] الآية، قال النبي ﷺ:"فأخذني ما يأخذ الولد للوالد من الرقة فذلك الذي أبكاني، إلا أني قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، وأكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وعن نبيذ الأوعية فزوروا القبور، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة، وكلوا من لحوم الأضاحي وادخروا ما شئتم فإنما نهيت إذ الخير قليل، فوسعه الله على الناس، ألا وإن وعاء لا يحرم شيئًا وكل مسكر حرام". قال ابن جريج: وأخبرني ابن أبي مليكة في حديث رفعه إلى النبي ﷺ قال: "ائتوا موتاكم فسلموا عليهم أو صلوا -شك الخزاعي- فإن لكم عبرة"، قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ورأيت عائشة أم المؤمنين تزور قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر، مات بالحبشي فلم يحمل إلى مكة، والحبشي جبل بأسفل مكة على بريد منها، وفي هذه المقبرة يقول كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي:
كم بذاك الحجون من حي صدق … من كهول أعفة وشباب
سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو … سى إلى النخل من صفي السباب
أهل دار تبايعوا للمنايا … ما على الدهر بعدهم من عتاب