واعلم أنَّ الآية والحديث لا يدلان على أنَّ النكاح لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج.
قال شيخنا العلامة أبو العبَّاس: أصحُّ قولي العلماء أنَّ النكاح ينعقد بكلِّ لفظٍ يدلُّ عليه، وهذا مذهب جمهور العلماء، كأبي حنيفة ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد، بل نصوصه لم تدل إلا على هذا الوجه.
وأمَّا الوجه الآخر- وهو: أنَّه إنَما ينعقد بلفظ الإنكاح أو التزويج- فهو قول أبي عبد الله بن حامدٍ وأتباعه، كالقاضي ومتبعيه.
وأمَّا قدماء أصحاب أحمد وجمهورهم فلم يقولوا بهذا الوجه، وقد نصَّ أحمد في غير موضعٍ على أنَّه إذ قال:(أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها) انعقد النكاح، وليس هذا لفظ إنكاح وتزويجٍ، ولهذا ذكر ابن عقيلٍ
وغيره أنَّ هذا يدلُّ على أنَّه لا يختص النكاح بلفظٍ.
وأمَّا ابن حامدٍ فطرد قوله، فقال: لا بدَّ أن يقول مع ذلك: وتزوجتها.
والقاضي أبو يعلى جعل هذا خارجًا عن القياس، فجوَّز النكاح هنا بدون لفظ الإنكاح والتزويج.
وأصول أحمد ونصوصه تخالف هذا، فإنَّ من أصله أنَّ العقود تنعقد بما يدلُّ على مقصودها من قولٍ وفعلٍ، فهو لا يرى اختصاصها بالصيغ (١).
وقال شيخنا في موضعٍ آخر: وقد ظنَّ بعض الناس أنَّ المراد بكلمة الله قولُه: (أنكحتك وزوَّجتك)، وليس كذلك، فإنَّ هذا ليس كلام الله، بل هذا كلام المخلوقين، وهو مخلوقٌ، وكلام الله غير مخلوقٍ، وإنَّما كلمته: