لم تلدهم أمهاتهم بعد. . بل وأتخيل نيتشه ووليام بلاك ومكفيل الذين لم يكن حالهم بأحسن من حال الأولين. هذا وإني لم أذكر إلا الكبار
نشهد اليوم حادثاً لم يسبق للتاريخ مثله، عظيم الأهمية، لا تقاس به الأحداث، ذاك هو النظام الجديد القائم في روسيا السوفيتية، ولست مبالغاً إذا قلت بأنه عمل (نموذجي) ينسج على منواله؛ إن بلادا يجري فيها مثل هذا النظام تجعل الكاتب يتحسس بيئته ويتصل بقرائه اتصالاً مباشراً، لا يدور حولهم كالتائه يفتش عن ضالته كما هي حالنا معشر الكتاب، فيستمد من الحقيقة التي تحيط به مادته، ويستلهم منها أخيلته، ويستمع إلى صداه بأذنه. إن بلادا مثل هذه يؤدي فيها الأديب رسالته كما يجب أن تؤدى، جديرة منا بكل إعجاب. بيد أن ذلك كله لا يفيد. إن الطريق كلها سليمة لا تعتورها الأشواك، وكيف تجتنب الأخطار جميعها ما دام العمل الفني في طبيعته ضعيف المقاومة، قليل التأثير بادئ ذي بدء. ولعل الكلام عن مثل هذه الأخطار التي هي من طراز جديد ستحين له فرصة ثانية، لقد رأيت في النتاج الأدبي السوفيتي آثاراً أثارت مني كل إعجاب، لكنها ما تزال بعيدة عن أن يتمثل فيها الإنسان المنتظر، الذي ما برح هذا الأدب يعمل على إيجاده، وهو ما يزال في مراحله الأولى يصور لنا أدوار التكون والتمخض والولادة، وأني لشديد الأمل برؤية الآداب السوفيتية قد كبرت واشتد ساعدها، فأصبح الكاتب في كنف الحقيقة الماثلة، فاتحة له صدرها يضمها بكلتا يديه
إن الأدب الخالد الذي تقبله النفوس وتقدم عليه بشغف يتجدد في كل حين، لا ينقطع لسد حاجة وقتية تنبعث عند طبقة من الناس، في وقت من الأوقات، وعلى هذا الأساس، فان حكومة السوفيت، لم تقتصر على طبع الآثار والمؤلفات التي جادت بها قرائح كتابها وشعرائها، فإنها عنيت عناية فائقة بنشر أشعار بوشكين، وتمثيل مسرحيات شكسبير؛ ولم تقل قط بأن أدب كتابها مرسوم له الخلود، ولا هي تستبعد أن يكون نتاج هؤلاء الكتاب صائراً إلى الزوال بزوال الحاجة التي دفعت إليه، ما دام الزمن لم يحكم حكمه عليه، وإذا كان هنالك من شيء يمسخ الفائدة التي يمكن أن يجنيها الناس من قراءة الكتب وإنشاء الأشعار، فما هي إلا أن ترسم لهم الأمثولة ويحدد لهم المغزى، وفي التدليل الكثير على العظة التي تتضمنها الكتب ضياع لمسحة الجمال التي تتميز بها الأدب، ويصبح بذلك