إذ شئنا أن نتحدث عن ثقافة الرجل والتمسناها في المصادر التي تحدثت عنها، لا نجد إلا كلاماً فيه كثير من التكرار والتهويل على طريقة القدامى في النقد والتقريظ، مثل الذي قال المسعودي في مروج الذهب: وكان (أي كشاجم) من أهل العلم والرواية والمعرفة والأدب فهذه أوصاف أربعة عامة منها اثنان متقاربان هما العلم والمعرفة، وأما الأدب فلا مشاحة فيه، والرواية إذا قصد بها الرواية للأدب فقد لا يكون فيها مشاحة كذلك. وأما إذا قصد بها رواية الحديث، فإنا نستطيع القول بأن كشاجم لم يكن محدثاً، أو حتى عالماً مبرزاً في أي علم من علوم الدين، اللهم إلا أن يكون ذلك هو القدر الذي يلزم تحصيله ولا يسلك به الشخص في عداد العلماء. حقاً إننا نجد في شعر كشاجم إشارة إلى أنه سمع شيئا من الحديث، وذلك يبدو في مدحه لبعض العلماء:
إن سألناك هن حدود كتا ... ب الله أوضحت مشكلات الحدود
أو سمعنا منك الحديث فاسنا ... دك لا بالواهي ولا المردود
وهذا البيت الأخير إن أفاد فإنما يفيد أن الرجل قد سمع شيئاً من الحديث، ولكن لا ينهض دليلاً على أن كشاجم كان من رواة الحديث بالمعنى الصحيح.
ثم إليك هذه الألفاظ البراقة وتلك السجعات المتكلفة التي نجد مثلها كثيرا في تراجم الأدباء والعلماء: (كان رئيسا في الكتابة، ومقدماً في الفصاحة والخطابة، له تحقيق يتميز به على نظرائه، وتدقيق يربى به على اكفائه، وتحديق في علوم التنجيم أضرم في شعلة ذكائه فهو شاعر المفلق، والنجم المتألق
فأما عن الكتابة فنعم، وأما الرياسة فيها فلا شك أنها محل نظر، وأما الخطابة فما أظن أحداً قال بأن كشاجم كان خطيباً ولم تصلنا خطبة واحدة ولو قصيرة تثبت ذلك، ثم إن ديوانه لا يكاد يشير إلى هذا ولو في بيت واحد مجرد إشارة اللهم إلا هذا البيت الذي يقوله ناصحاً -