ألقى الدكتور محمد مندور يوم السبت الماضي محاضرة عنوانها (النقد الأدبي في القرن العشرين) في القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكية. وقد بدأ بتعريف النقد الأدبي بأنه فن تمييز الأساليب قائلاً بأن الأسلوب ليس هو طريقة الأداء اللغوي فحسب بل هو كذلك طريقة إدراك الكاتب للعالم الخارجي ثم مدى قدرته على اصطياد المعاني والأحاسيس وإسكانها اللفظ الملائم. ثم قال إن النقد فن لا علم، ولكنه لا يقوم على الجهل، فأول ما يطلب في الناقد الاستنارة، وإن الناقد يلزمه أن يحصل كثيراً من المعارف ولكن يجب عليه أن ينساها في الأدب، فثقافة الإنسان هي ما يتبقى في نفسه بعد أن ينسى ما حصله. والثقافة التي تنبغي للناقد متعددة الجوانب، وأولها الأدب ذاته الإنشائي والنقدي، ومن ذلك معرفة المعنى الدقيق للكلمات والاصطلاحات، فإن كثيرين يرددون كلمات مثل (الواقعية) و (الرمزية) وهم يفهمون خطأ غير معناها، فيفهمون الواقعية مثلاً على أنها تصوير لواقع الحياة كما هو، ويتبادر ذلك إلى أذهانهم من المعنى اللغوي للكلمة. غير عالمين بالملابسات التاريخية لهذا المذهب الذي يقوم على النظرة إلى الجانب الحالك من الحياة والإيمان بعدم وجود الخير فيها. ومن ذلك مذهب (الفن للفن) فليس هو كما يفهمه الكثيرون من أنه يقتضي الخروج على مواضعات المجتمع والأخلاق، وإنما هو يدعو إلى أن تكون غاية الفن صور جميلة لذاتها، وأن الفن غاية في ذاته وليس وسيلة للتعبير عن مشاعر خاصة.
ثم قال الدكتور مندور: إن ثقافة الناقد في القرن العشرين أصبحت ضرورية لتعدد المذاهب واختلاطها، فمثلاً كانت المسرحية إما كوميديا أوتراجيديا، فجاء النقاد في القرن العشرين يقولون أن الحياة ليست كلها مآسي كما أنها ليست فكاهة مغرقة في الضحك، فهي ليست بالسوداء ولا بالبيضاء الخالصة، وإنما هي خليط من الأمرين، فما الذي يمنع من وجود لون رمادي على المسرح، هو الدراما التي تجمع بين المحزن والمضحك؟
ثم تساءل المحاضر: ترى هل يستحق النقد كل ذلك العناء؟ وأجاب بأن النقد ليس تبعياً وإنما هو خلق أدبي، وسيان أن يتحدث جيته عن منظر طبيعي أوإنسان في الحياة وأن