تخلصت البلاد من الامتيازات الأجنبية أو كادت، وتنفس الناس الصعداء، وعما قريب سيصبح جميع السكان خاضعين مدنياً وجنائياً لقضاء واحد هو القضاء الوطني أو السلطة القضائية المصرية، ولتشريع واحد مستمد من السلطة التشريعية المصرية. سلطتان هما، مع السلطة التنفيذية، مظهر السيادة القومية للدولة.
ولكن لم يفكر أحد إلى الآن - لا الحكومة والأفراد - في وجوب إلغاء الامتيازات الداخلية القضائية التي اختصت بها جميع الطوائف في مصر حتى المصرية المحض منها، بل إن تلك الهيئات أخذت تطالب الآن - لمناسبة مشروع القانون المعروض على مجلس الشيوخ - بالمزيد من امتيازاتها والتوسع فيها وهي ترفض بشدة إشراف القضاء الوطني العالي على أحكامها كما ترفض تنظيم الحكومة لأقلام كتابها، وذلك بدلا من أن تشكرها على هذه العناية وترحب بهذا الإصلاح المشكور الذي أرادته لها الحكومة.
ولا يخفى أن من أول واجبات الحكومات تولي القضاء وإقامة العدل بين الأفراد، وهذه هي وظيفة السلطة القضائية، إحدى السلطات الثلاث التي تكون منها سيادة الدولة، وعليها يقوم كل نظام، بل إنها الأساس العام للمجتمع الإنساني في عصرنا الحالي ولولاها لكان العالم على الحالة البدائية للشعوب المتوحشة والقبائل البدوية غير المتحضرة.
وما القول إذا عهدت حكومة من الحكومات إلى فرد من الأفراد أو جمعية أو شركة أمر الحكم في بعض القضايا المدنية أو محاكمة طائفة من الذين يرتكبون الجرائم كذلك النظام الشاذ الذي كان يتمتع به الأجانب، مع أن الذي كان يتولى محاكمتهم إنما هي محاكم نظامية قضائية تابعة لحكومات حقيقية شرعية ولكنها حكومات أجنبية، وكانت المحاكم القنصلية تحكم بمقتضى قوانين وضعية مدونة معروفة للجميع سنتها سلطات تشريعية عامة في حدود سلطانها. وحتى المحاكم المختلطة فأننا كنا نشكو بحق من وجودها لأنها تحدُّ من السلطة القضائية الوطنية وبالتالي من سيادة الدولة مع أنها محاكم شبه مصرية تحكم بمقتضى قوانين كانت تشترك الحكومة في وضعها مع الحكومات ذات الشأن، وتتوج أحكامها باسم