لعل من أهم الفروق التي تميز المسلمين في أول أمرهم وفجر حياتهم عن المسلمين اليوم، (خلق الرجولة) فقد غنى العصر الأول بمن كانوا هامة الشرف، وغزة المجد، وعنوان الرجولة.
تتجلى هذه الرجولة في (محمد) إذ يقول: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته). كما تتجلى في أعماله في أدوار حياته، فحياته كلها سلسة من مظاهر الرجولة الحقة، والبطولة الفذة، إيمان لا تزعزعه الشدائد، وصبر على المكاره، وعمل دائب في نصرة الحق، وهيام بمعالي الأمور، وترفع عن سفسافها. حتى إذا قبضه الله إليه لم يترك ثروة كما يفعل ذوو السلطان، ولم يخلف أعراضاً زائلة كما يخلف الملوك والأمراء. إنما خلف مبادئ خالدة على الدهر، كما خلف رجالاً يرعونها وينشرونها، ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم من أجلها.
وتاريخ الصحابة ومن بعدهم مملوء بأمثلة الرجولة، فأقوى ميزات (عمر) أنه كان (رجلاً) لا يراعي في الحق كبيراً، ولا يمالئ عظيماً أو أميراً. يقول في إحدى خطبه:(أيها الناس إنه والله ما فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه).
وينطق بالجمل في وصف الرجولة فتجري مجرى الأمثال كأن يقول:(يعجبني الرجل إذا سيم خطة ضيم أن يقول: (لا) بملء فيه) - ويضع البرنامج لتعليم الرجولة فيقول:
(علموا أولادكم العوم والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما يجمل من الشعر). ويضع الخطط لتمرين الولاة على الرجولة فيكتب إليهم. (اجعلوا الناس في الحق سواء، قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم، إياكم والرشا والحكم بالهوى، وأن تأخذوا الناس عند الغضب)، ويعلمهم كيف يسوسون الناس ويربونهم على الرجولة فيقول:(ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم).
من أجل هذا كله كان هذا العصر مظهراً للرجولة في جميع نواحي الحياة، تقرأ تاريخ