ليست الديمقراطية مجرد نظام صوري من نظم الحكم تفرضه الدولة على رعاياها وتنتحله لسياسة أمورهم؛ بل الديمقراطية شيء أبعد من ذلك، إذ أنها تعتمد في أصلها على مزاج الشعب ذاته وعلى طبيعته وعلى مدى استعداده لتلقي ذلك النظام وقبوله؛ أو بقول آخر يتوقف نجاح الديمقراطية على مدى رغبة الشعب وميله إلى الاتحاد والتعاون والتضامن فيما بينهم، وعلى مقدار قابليته لتأليف الجماعات التعاونية المختلفة؛ فحيث يكون الناس أقدر على التضامن والتعاون فيما بينهم بروح سمحة يكون الأمل في قيام الديمقراطية كبيراً. ومن هنا تنتقل السيدة جالبريت إلى دراسة الحركات التعاونية في الصين لترى مدى نجاحها. . . وهي تعتقد أن الصينيين يميلون بطبعهم إلى التعاون والتآزر؛ فقد ظهرت منذ أقدم العصور أنواع شتى من الزمر والهيئات والجمعيات التي تقوم في أساسها على التعاون مثل جماعات العائلات (ويتألف كل منها من مائة عائلة) وغيرها. فالهيئات التعاونية نشأت إذن في الصين منذ أمد بعيد واتخذت صوراً مختلفة وأغراضاً متفاوتة أشد التفاوت. وقد قامت الحكومة الصينية في عام ١٩٣٥ بإحصاء عام لحركات التعاون فزادت الجمعيات هناك على مائة ألف جمعية تعاونية، ولا تزال الحكومة المركزية تولى حركة التعاون جانباً كبيراً من اهتمامها.
وقد خطت الحركة التعاونية في الصين خطوة جبارة منذ عام ١٩٣٨، بعد ظهور جمعيات التعاون الصينية للصناعة: وما لاقته من نجاح واسع سريع. وقد انبثقت فكرة هذه التعاونيات في أذهان بعض الصينيين ممن لهم سابق خبرة بالتعاون لأول مرة في أغسطس من عام ١٩٣٨، إذ أدركوا أنه لا مندوحة لهم - أمام التوغل الياباني - عن إعادة تنظيم موارد الصين واستخدام كل القوى فيها حتى يمكن تعويض ما فقدته البلاد من المراكز الصناعية الرئيسية التي دمرتها الحرب. وبدأت تلك الجماعة من الخبراء عملها بتقسيم