كنت وإخواني المصريون، في السنوات التي قضيناها نطلب العلم بباريس، نلاقي من كثير ممن نتصل بهم، من الفرنسيين وغير الفرنسيين الذين تجمعنا بهم صلة الدرس أو السكن، جهلاً عجيباً بالإسلام وتقاليده. وكذلك وجدت الأمر بالنسبة لمن اتصلت بهم وتحدثت إليهم من المسلمين بإنجلترا وأسبانيا في رحلتي إليهما عام ١٩٤٨. وحين زرنا ألمانيا صيف ذلك العام نفسه، باعتبارنا أعضاء بمؤتمرات الشباب العالمي الذي انعقد بموينخ في شهر يونية، وجدنا نفس الشيء في شباب ألمانيا، وربما على نسبة أكثر ومدى أوسع.
وفي هذا المؤتمر كان من حظي وحظ أخي وصديقي الدكتور أحمد مسلم المدرس الآن بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول. أن وقع علينا عبء البحث والنقاش في اللجنة التي عهد إليها بحث مشكلة زيادة عدد النساء وعدد الرجال في ألمانيا بعد الحرب التي أكلت الشبان. وكان أن عرض كثير من المؤتمرون، وهم من أجناس وأمم ودول مختلفة من جميع أقطار الأرض، حلولا غير ناجعة لهذه المشكلة، وحسبنا أن نذكر أنه كان منها إباحة (المخالة) رسميا وجعلها في منزلة الزواج ومنزلة واعتبار!!
وكان أن عرضنا، زميلي وأنا، الحل الوحيد الذي يعالج هذه المشكلة علاجاً طبيعياً شريفاً دائماً، نعني به إباحة تعدد الزوجات في التشريع الألماني وغيره من تشاريع البلاد الأخرى التي تعاني نفس المشكلة. وهنا وجدت كثيراً من العيون تسلفنا بنظرات حداد. وكثيراً من الشفاه تتفرج عن كلمات عدم الموافقة بل استهجان الاقتراح، وحين طلبنا السبب في كل هذا، عرفنا أن جمهور المؤتمرين لا يعرفون عن الإسلام شيئاً طيباً يجعلهم يقبلون بعض تقاليده، وبخاصة مسألة تعدد الزوجات. وبعد لأي، وبعد شرح منا لوجهة نظر الإسلام في هذه المسألة وأن الحل الذي يراه هو الوحيد الذي يمكن معالجة هذه المشكلة به هذه الأيام، ابتدأت الأسارير تتفرج، وابتدأ المؤتمرون يقبلون بجد على تقليب وجوه الرأي فيه.
ثم عدنا إلى الوطن، وشرعت ألمانيا الغريبة تعد دستورها الجديد. وإذا بمدينة (بون) العاصمة يقترح أهلها - كما نشرت الصحف هنا - يقترحون أن ينص في الدستور على إباحة تعدد الزوجات علاجاً للمشكلة التي يحسها كل ألماني إحساساً شديد!