يرى الوافد على مدينة المشهد قبة عالية مغشاة بالذهب ومنارتين مذهبتين رفيعتين. فهذا أول ما يسر البصر من مسجد الإمام علي الرضا. فإذا ذهب إلى المسجد الذي يسمى الحرم الرضوي أو العتبة المقدسة (آستانة مقدس) رأى أبنية جميلة شامخة واسعة رائعة لا يستطيع المشاهد أن يعرف خططها ويدرك أقسامها إلا بعد تأمل طويل وزيارات كثيرة
إذا دخل القادم المدينة من غربيها فسار في الشارع الكبير تلقاء الشرق انتهى إلى أبواب ضخام رائعات وراءها طريق مبلط ينتهي إلى مدخل الحرم الرضوي فيلجه إلى الصحن القديم (صحن كهنه) وهو فناء واسع تجري في وسطه قناة ماء ويحيط به مساكن لطلاب العلم وغيرهم. وإني أشفق على القارئ من تفصيل الكلام في وصف هذا الحرم العظيم الذي توالت عليه الأيدي بالتشييد والتزيين قروناً كثيرة. فحسبي أن أقول إن في وسط الحرم قبة الإمام الرضا وأروقة متصلة بها ويمتد الصحن القديم شمالي هذه الأبنية، والصحن الجديد شرقيها، ومسجد جوهر شاد جنوبيها. ويحار الطرف في جمال القبة الشريفة وزينتها وفيما في المسجد كله من الكاشاني والبلور والذهب الخالص، والقبة تقوم على قبر الإمام الرضا. وهو في جانب منها، ويُظن أن قبر هرون الرشيد في وسط القبة ولكن لا يرى الزائر منه أثراً
أقدم ما في هذه البناية يرجع إلى سنة ٥١٢ وهو بناء السلطان سنجر السلجوقي. وقد توالى الملوك والكبراء من بعده على البناء والتنافس فيه، ومن هؤلاء السلطان ألجايتو، من الملوك الأيلخانية، وشاه رخ بن تيمورلنك وزوُجه جوهر شاد، ومشير علي نوائي وزير السلطان حسين بايقرا، ثم الملوك الصفويون ولا سيما طهماسب وعباس الكبير؛ ومن القاجاريين فتح علي شاه وناصر الدين شاه. كل هؤلاء بذلوا جهدهم في أن يؤثروا في المشهد الرضوي أثراً خالداً يكسف آثار من سبقهم فتركوا هذا البناء الجليل الذي يعجز القلم عن تصويره للقارئ
وقد وعدت في المقال السابق أن أصف مسجد جوهر شاد هذه الأميرة التقية الخيرة، فهو