في مساء يوم الأحد ٢٦ مارس سنة ١٩٣٣ شرف أتاتورك أو الغازي مصطفى كمال رئيس الجمهورية التركية وزعيم تركيا بزيارته دار المفوضية الملكية المصرية بأنقرة، وكان ذلك في منتصف الليل تماماً حين دقت الساعة الثانية عشر، وحدث هذا في الحفلة التي أقامتها المفوضية بمناسبة عيد ميلاد المغفور له الملك أحمد فؤاد الأول طيب الله ثراه. ولما دخل وقف المدعوون من رجال الحكومة وأعضاء السلك السياسي وغيرهم، وقد تملكتهم الدهشة، لأنها كانت أول مرة يزور فيها الرئيس الغازي دار مفوضية أجنبية، إذ لم يسبق حدوث شيء من ذلك للسفارات أو المفوضيات التي يتولاها السفراء والوزراء المفوضون، فما بالك بزيارته لمفوضية على رأسها قائم بالأعمال!
وكتبت في مذكراتي اليومية عن أثر هذه المفاجأة وقت دخوله ما يأتي:(كنت ترى في عينيه بريقاً يشع من القوة المعنوية الهائلة التي تعتمد على إدارة راسخة فعالة، وتلمس من نظرته الحادة قدرة وثقة في النفس يدعمها إيمان ثابت وعقيدة لا تلين في الرسالة التي سلمتها الأقدار إليه لخدمة بلاده وأمته)!
كان يوماً لا ككل الأيام التي عشتها لا أدري كيف أبتدأ، ولا أشعر متى أنتهي حتى مطلع الفجر، إذ كان يحمل اليّ في كل ساعة مفاجأة، فقد أصبحنا كعادتنا لم نغير موعداً للقيام، ولكن المفوضية كانت في حركة دائمة منذ الصباح المبكر، إذ حضر (العتالون) فاخذوا ينقلون كل شيء من مكاتبنا، ويجيء الخدم بعدهم لترتيب الحجرات وتنسيقها لحفلة المساء. وفي الساعة الحادي عشر من صباح ذلك اليوم زارنا مدير المراسم أو التشريفات أو البروتوكول سمها كما شئت، وكان اسمه شوكت فؤاد بك، جاء لابساً بدلة (البونجور)، وفي يده قبعته العالية، ومعه قفازه، حضر ليعرب لحضرة توحيد السلحدار بك القائم بأعمال المفوضية الملكية المصرية عن تهاني حكومة الجمهورية التركية وأمانيها الطيبة لجلالة