حدثت منذ أسبوعين حوادث جوية في نابلس لا عهد لنا بها، ولا لمن هم أسن منا، أزعجت الناس وأدخلت خوفاً كثيراً إلى نفوسهم؛ هالتهم وعظمت عليهم، أقضت مضاجعهم ونفت الكرى عن عيونهم؛ أرجعتهم إلى الله يسألونه اللطف بالكهول والأطفال، وقام المؤذنون من أعلى المآذن يستنجدون بخالق السموات والأرضين أن ينظر بعين الرأفة إلى هذه الأمة التي توالت عليها المحن والمصائب من كل جانب؛ وكان صوت:(يا رب - يا لطيف) يدوي في الأجواء، ويرن في الآفاق، ترجعه الأصداء إلى الآذان، فيدخل إلى النفوس خشوعاً أحاطه الخوف، واستسلاماً أحاطه الإيمان والعقيدة، فاطمأن المؤمنون وقالوا: ليفعل الله ما يشاء؛ هو العليم وهو الحكيم، بيده الخير إنه على كل شئ قدير. وقال آخرون: إنها لعلامات تدل على قرب الساعة. وقال غيرهم: إنها لأشارات تنذر بالحروب والكوارث. وكيف لا تشغل هذه الظواهر أفكار الناس، وكيف لا تصبح حديثهم وموضع تنبؤاتهم وخوفهم وقد شغلت السماء كلها، بما على الأرض من رياح ومياه وأشجار ومبان؟؟. .
لاحظ الناس في مساء يوم الأحد الموافق ٢١ من الشهر الفائت أن الحالة الجوية غير طبيعية قبل غروب اليوم المذكور، فقد كانت تظهر في بعض جهات المشرق والجنوب بروق ولمعات فجائية، دامت إلى ما بعد الغروب، ثم ما لبثت هذه البروق وتلك اللمعات أن استحالت إلى بروق متواصلة متعاقبة الحدوث والظهور في نواحٍ عديدة إلى أن شملت السماء كلها، فإذا أضواء شديدة تنبعث من بين الغيوم من شرارات كهربائية كثيرة الشعب والتعاريج، كانت تظهر للناظرين وقد خيل إليهم أن السماء مفتحة الأبواب، تخرج منها أنوار تخطف الأبصار، مصحوبة برعود متعاقبة، لها قعقعة مختلفة الشدة، تبعها برد وأمطار غزيرة ورياح هائجة أحارت الناس وأذهلتهم.
ومما لا ريب فيه أن هذه الظواهر الجوية لا تحدث عفواً ومن دون أسباب، بل إن وقوعها لا يكون إلا حسب أنظمة خاصة لا تتعداها، خاضعة لنواميس طبيعية لا تشذ عنها، عرف الإنسان بعضها ووقف على أسرارها؛ وقد ثبت أن مدبر هذا الكون سائر بكونه على أساس من القواعد والقوانين متين، وقد أتبع كل شئ سبباً، وكلما عرف الإنسان شيئاً عن هذا