هذا الحشد من العرايا فوق (البلاج) إنه يذكرني بسوق الرقيق. لم أر هذه السوق، ولكنني قرأت عنها، ورسمت لها في نفسي صورة إنها لو تجسمت ما كانت إلا هذا الحشد من العرايا فوق (البلاج)!
إنني أسمع هنا صلصلة القيود ووسوسة الأغلال وسوط النخاس! لا ألمح هنا طلاقة الروح، ولا حتى فراهة الجسد! لا ألمح الحرية التي ترفرف بلا سدود ولا قيود!.
يخيل إلى في أحيان كثيرة أن هناك (نخاساً) هو الذي يعرض هذه الأجساد للشراء. أكاد ألمحه مختبأ خلف هذه أجساد الرخيصة التي تتحرك وفيها ثقلة القيد، وتترنح فتوسوس الأغلال!
ويحي!
مالي لا ألمح الفرح في هذه الوجوه الضاحكة، ولا أحس السعادة في هذه الملامح المرحة؟
ليس هنا فرح ولا سعادة، فالفرح نورانية وإشراق، والسعادة شفافية واطمئنان. . . هنا عربدة تخفي وراءها ضجراً، ومرح يستر في الجوانح الضيق!
هؤلاء قوم ضاق عالمهم (الباطن)، فانطلقوا يذرعون الأرض بحثاً عن عالم (الظاهر)، ومن فقد نفسه فهيهات يجد في (الخارج) شيئاً يطمئن إليه، ويستشعر به السعادة والهدوء!
مساكين!!!
ولكن أهذه محنة رواد (البلاج) وحدهم في هذه الأيام؟
كلا! إنما هي محنة هذه الإنسانية التي غلفت عن نفسها لتسمع صوت الآلات، محنة هذه الحضارة المادية الواردة من أوربا، والتي فتنت الناس عن أنفسهم بما أبدعته من وهج وبريق وضجيج!
كم أمقت هذه الحضارة الأوربية وأحتقرها، وأرثي للإنسانية التي خدعت بها، فأوردتها التهلكة. . . بريق وضجيج، ومتاع حسي غليظ. وفي هذه الضجة تختنق الروح، ويخفت الضمير، وتنطلق الغرائز والحواس، سكرانة معربدة تهيجها الأنوار الحمراء، كالديكة