في ٢٢ أغسطس ١٩٣٩ انفجرت قنبلة سياسية في برلين سمع دويها في جميع أنحاء العالم؛ فهاله الأمر وناله الفزع. ولما لم يكن يعلم ما تحتويه من مواد، أخذ يرجو أن تكون محتوياتها غير مبيدة ولا قتالة، وكانت تلك القنبلة إعلان اتفاق ألمانيا وروسيا على توقيع ميثاق عدم الاعتداء بينهما
فوجئ العالم بهذا النبأ واستغرب وقوعه، لما بين ألمانيا وروسيا من عداء مستحكم، وما لهتلر من مطامع في البلاد السوفيتية كان يعمل على تحقيقها تحت ستار مكافحة الشيوعية. ومما زاد الصدمة شدة وخطورة، انقطاع الأمل في انضمام الروسيا إلى (جبهة السلام) ليتحقق بذلك إيقاف دولتي المحور عند حدهما، ولتتم سلامة دول أوربا من اعتداءاتهما. على أن العالم فوجئ بنتيجة معاكسة للتي كان ينتظرها، فوجئ بانضمام الروسيا إلى ألمانيا تحت ستار ميثاق عدم الاعتداء، فكيف تم هذا الميثاق؟ وما هي محتوياته؟ وما هي الدواعي التي حدت بألمانيا إلى مصافاة عدوتها اللدود روسيا، وما الذي دفع السوفييت إلى مد يد المساعدة لمنشئ (جبهة مكافحة الشيوعية؟) وما هي نتائج هذا الانقلاب الخطير في الحالة الدولية؟
لم تصب الدول الديمقراطية في اتفاق مونيخ الهدف الذي كانت ترمي إليه من تهدئة الخواطر وتحقيق السلام بإنالة الهر هتلر ما دعاء (آخر مطالبه في أوربا). وسبب ذلك سوء نية زعيم ألمانيا، وعزمه على استعمال التهديد والقوة لنيله مطلباً بعد آخر. فالدول الديمقراطية لم تنل السلام في مونيخ، بل سبب لها ذلك الاتفاق مشاكل ومصاعب جساماً، كنا قد نوهنا عنها حينئذ على صفحات (الرسالة) الغراء. وما الميثاق الألماني - الروسي الذي هز أركان العالم وزج بأعظم أممه في حرب ضروس، إلا نتيجة طبيعية لتسامح الدول الديمقراطية في ٣٠ سبتمبر عام ١٩٣٨. وهذا الميثاق الذي نظر إليه العالم نظرة الدهشة والغرابة لم يكن ابن ساعته، بل كان نتيجة لمفاوضات بين برلين وموسكو بدأت منذ استقالة الرفيق ليتفينوف من وزارة الخارجية الروسية وأدت إلى توقيع الاتفاق الألماني