قال الراوي: كانت السنة الثامنة منذ هاجر الرسول عليه السلام من مكة إلى المدينة، وكان صُلح الحُدَيبية الذي يقف الحرب بين المسلمين والمشركين سنوات عشرا يقطع عامه الثاني، ويتيح لقريش في مكة فرصة التروِّي لعلهم ينجون بكرامتهم وحياتهم من هذه الدعوة المحمدية، والنصرة الإلهية. وكان المسلمون في المدينة، مهاجرين وأنصار، يستبعدون مدى هذه الهدنة، ويعدونها نيلاً من عزتهم الدينية، وقد علموا (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخُلُن المسجد إن شاء الله آمنين) وما كان لهم أن ينقضوا عهداً في أعناقهم أو يفكوا عقداً للرسول بإذن الله تعالى. ولكن الله قدر وقضى - لتصدق الرؤيا توّاً ويكون الفتح المبين - أن تغدر قريش؛ فقد ثار بنو بكر ابن كنانة على خُزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير يطلبونهم بدماء قديمة، وكانت قريش ترفد بني بكر بالسلاح، وتقاتل معهم خزاعة مستخفين بالليل حتى جاوزوا خزاعة إلى الحرم. فلما انتهوا إليه قال بنو بكر لزعيمهم: يا نوفل، إنا قد دخلنا الحرم، إلهكَ! إلهكَ! فقال: كلمة عظيمة: لا إلهَ لَه اليومَ! يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرفون في الحرم، أفلا تُصيبون ثأركم فيه؟!
قال الراوي: فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة وأصابوا منهم ما أصابوا ونقضوا ما كان بينهم وبين الرسول من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة، وكانوا في عقده وعده، خرج عَمرو بن سالم الخزاعي، ثم أحدُ بني كعب، حتى قدم على الرسول المدينة، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظَهراني الناس فقال:
إن قريشاً أخلفوك الموعِدَا ... ونقضوا ميثاقك المؤكَّدا
فانصر هداك الله نصراً أَعْتدا ... وادْعُ عبادَ الله يأتوا مَدَدا
فقال رسول الله: نُصرتَ يا عَمرو بن سالم. ثم عرض لرسول الله عَنان من السماء، فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب. ثم خرج بُدَيل بن وَرْقاء في نفر من خزاعة حتى