وقد رأينا فيما تقدم إن الدعاة الملاحدة، أعني حمزة بن علي وصحبه، ألفوا في اختفاء الحاكم فرصة لاذكاء الدعوة وتغذيتها واتخذوا من هذه الاختفاء وظروفه الغامضة، مستقى جديداً للزعم والإرجاف؛ فزعموا إن الحاكم لم يقتل ولم يمت، ولكنه اختفى أو ارتفع إلى السماء، وسيعود عندما تحل الساعة فيملأ الأرض عدلاً، وأضحى هذا الزعم أصلا مقرراً من أصول مذهبهم. وقد انتهت إلينا في هذا الزعم - أي زعم الغيبة والرجعة، وثيقة هامة بقلم كبير الدعاة حمزة بن علي ذاته، وفيها يشرح لنا ظروف هذا الاختفاء وبواعثه على ضوء دعوته وأصول مذهبه، واليك ما جاء في تلك الوثيقة الهامة التي تقدم رغم غرابة شروحها ومزاعمها إلى المؤرخ مادة للتأمل:
يقدم إلينا حمزة رسالته بهذا العنوان:(نسخة السجل الذي وجد معلقاً على المشاهد في غيبة مولانا الإمام الحاكم) وهي التي يفتتح بها رسائله في متن الدعوة وأصولها حسبما أشرنا فيما تقدم
ويؤرخ الداعي هذه الرسالة بشهر ذي العقدة سنة ٤١١هـ أعني عقب اختفاء الحاكم أو بعده بأيام قلائل، ويفتتحها بدعوة الناس إلى المبادرة (بالتوبة إلى الله تعالى وإلى وليه وحجته على العالمين وخليفته في أرضه وأمينه على خلقه أمير المؤمنين) وأنه قد سبق إليكم، اعني إلى الناس (من الوعد والوعظ والوعيد من ولي آمركم وإمام عصركم، وخلف أنبيائكم، وحجة باريكم وخليفته الشاهد عليكم بموبقاتكم، وجميع ما اقترفتم فيه من الأعذار والإنذار، ما فيه بلاغ لمن سمع وأطاع واهتدى وجاهد نفسه عن الهوى وآثر الآخرة عن الدنيا، وأنتم في وادي الجهالة تسبحون، وفي تيه الضلال تخوضون وتلعبون، حتى تلاقوا يومكم الذي كنتم به توعدون)
وإن أمير المؤمنين قد أسبغ على الناس نعمه ولم يفر عليهم شيئاً منها، ولم يبخل عليهم