بعد أن ردت مصر الصليبيين في المنصورة المجيدة لم ينالوا من الإسلام خيراً، خرجت إلى (عين جالوت) ترد التتارهم الآخرين؛ ووقف سلطان مصر المظفر قطز على رأس جيشه يثخن بيده في أعدائه الطغاة، بيد أن هؤلاء مكروا مكراً كاد يرديه لولا أن برز فارس مسلم ملثم رد عليهم مكرهم وتلقى المكروه من دون السلطان ثم هتف وهو يعاني الموت:(صن نفسك يا سلطان المسلمين، ها قد سبقتك إلى الجنة).
لم يكن هذا الفارس سوى جلنار: زوجة السلطان وحبيبته. وقد جعل السلطان يقبلها ويقول لها في ذهول وجزع:(وا زوجاه! وا حبيبتاه!) فنادته وهي تجود بروحها: (لا تقل وا حبيبتاه قل: وا إسلاماه!).
وانطلق السلطان إلى المعمعة يصرخ:(وا إسلاماه!). ورجاله معه يرددونها ويلقون في قلوب الذين كفروا الرعب، ولا يزالون يجاهدونهم ويغلظون عليهم حتى يجيئهم النصر ويشفي الله صدور المؤمنين.
تلك هي القولة التاريخية التي اتخذها صديقنا الأستاذ علي باكثير عنواناً لروايته الجميلة.
كانت جلنار وقطز رقيقين في جملة الرقيق أيام آل أيوب، ولكن لهنا قصة حافلة بالعبر، فهما سلالة بيت بعيد النسب في المجد، فأما هي فأبنت السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه، وأما هو فابن عمتها. وقد نزلت افجع الأحداث بآلها فبادوا جميعاً في ظروف تموج الهول، وسلم هذان من الموت ليباعا في الأسواق وليذوقا ضروباً من الهوان. وفرق الدهر المشت بينهما أمداً ثم جمعتهما الأقدار أخيراً ليكونا سلطاني المسلمين وليكتبا في تاريخ الإسلام صفحة جد نضيرة.
تجلو الرواية أياما مجيدة لسلف المسلمين. وفصولها جميعاً تنطوي على رسالات سامية، فهنا معرض خلق وبطولة باهرين، وهناك حديث وطنية وتضحية مثاليتين، وهنا دعوة قوية إلى الاستمساك بالحق والحماسة له، وثم حوافز للمجد وزراية على الضعف والضعفاء. ولكنك على كثرة ما تواجهك هذه المعاني لا تحس أن الكاتب تكلفها، بل تدرك