عندما استويت على مقعدي في مرسم المدرسة وعرفت المهمة التي كلفنا بها أستاذنا، أدركت في لحظة أني مغبون مغبون.
كان أمامي نموذج مجسم للفيل علي أن أرسمه كما يتراءى لي وأنا في مجلسي دون ما تصرف ولا تغيير. ولم أكن أشهد لهذا النموذج خرطوماً ولا رأساً ولا قائمتين أماميتين، دعك مما يتصل بكل هذا من صدر وعنق وأذن وعين وناب. . . حتى جفرتا الفيل على انبعاجهما لم تكونا من عيني بمرأى.
وعجبت كيف يكون منظر فيلي بدون هذه الأشياء جميعا. إنه لن يكون أكثر من خطين غليظين بينهما خط قصير دقيق. والتمعت إذ ذاك في ذهني صورة المقصلة التي ينصبها الجزارون في أسواق القرى. لقد كان كل ما ينقصني هو تغيير الموضع لتحسين وجهة النظر؛ ولا أعني بهذا تغيير موضع الفيل، إذ كان أقل عبث به كفيلاً بأن يضع زملائي جميعاً في صفوف المغبونين بعد أن فرغوا من خططهم، وأوغلوا على الورق في تخطيطاتهم.
وبدا لي أن انتقل إلى موضع زميل غائب، فوضح لي منه ما فيه الكفاية مما كان محتجباً عني، ثم بدأت أرسم
تلك تجربة مرت بي في عهد الطلب كما يمر أمثالها بالكثيرين؛ والواقع أن وجهة النظر شيء له قيمته الكبرى في الحياة، وإن التأنق في اختيار هذه الوجهة وانتقاء أحسن أوضاعها لخطوة أساسية ينبغي ألا نغفلها، إذ عليها يتوقف ما نأتيه من الخطأ والصواب جميعاً
وكما يختلف الجسم باختلاف النظرة إليه جمالاً وقبحاً، وضوحاً وإبهاماً، ضخامة وضؤولة؛ كذلك يختلف الرأي باختلاف عمل العقل فيه، وهو يقاس في مبلغ سلامته أو ضعفه، وبلوغه أو عجزه، واستقامته أو عوجه، على مقدار معالجة التفكير لعناصره واستيعابه لجميع جزئيات صوره. وإن الخطأ في التقدير الحسي لأمر من السهل إصلاحه بالرجوع إلى التجارب الحسية السابقة والنظر في المكتنز من نتائجها؛ فمعرفتي بأوضاع الفيل